يذكر صدام حسين بوضوح ان ثورة يوليو – تموز/ جويلية 1968 عندما تسلمت السلطة لم تتسلم معها إلا خزائن خاوية وحتى في العام التالي – عام 1969 – كانت عائداتها من النفط الذي يمثل الدخل الوطني الأساسي في اقتصاد كان وحيد الجانب بحدة حتى ذلك الحين، لا تزيد على 169، 730 مليون من الدنانير فحسب ولذلك، لا يجب أن يقاس العراق بالبلدان العربية البترولية وبالذات دول الخليج والجزيرة وليبيا باعتبار أن تلك الدول إنما تملك رصيدا مخزونا في البنوك منذ سنوات طويلة. وقد لا يكون في الأمر تجاوز حقيقي للواقع اذ قلنا – بالقياس الى الدخول النفطية ذات الدلالة في الدول العربية الأخرى – ان العراق يوشك ان يكون دولة نفطية منذ عام 1974 فقط...ذلك (ان العراق الذي حقق التحرر السياسي من الربقة الاستعمارية بعد ثورة 14 جويلية 1958 -) كما ورد في التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر القطري الثامن لحزب البعث العربي الاشتراكي في جانفي 1974 – بقي حتى ثورة السابع عشر من جويلية 1968 خاضعا للسيطرة الاقتصادية الاستعمارية المتمثلة بالدرجة الأولى في هيمنة الشركات الاحتكارية على أهم و أكبر ثرواتنا والمصدر الأساس لدخلنا الوطني...النفط. ومن ثم كانت المعركة الفاصلة في تحقيق الاستقلال الاقتصادي في القطر العراقي وبالتالي تعزيز الاستقلال السياسي وإطلاق الإرادة الوطنية حرة من كل قيد هي معركة تحرير الثروة النفطية من ربقة الشركات الاستعمارية والسيطرة الكاملة عليها تخطيطا وتسويقا.وبدون خوضها يبقى العراق خاضعا للسيطرة الاقتصادية الاستعمارية ويكون اي تقدم يحققه في الميادين الأخرى ناقصا ومهددا). ولكن ماذا عن القانون رقم 80 – قانون الاستثمار الوطني للنفط – الذي كان قد صدر عام 1961 الذي استولت الحكومة بموجبه حينذاك على جميع الأراضي غير المستثمرة من قبل الشركات الأجنبية؟.....التقرير السياسي يؤكد ان هذا القانون بقي (حبرا على ورق) حتى ثورة 17 تموز – يوليو. ويضيف الى ذلك انه قد جرت محاولات محمومة من قبل الشركات للالتفاف على القانون وإفراغه من محتواه الوطني. وفي عام 1965 كادت حكومة طاهر يحيى ان تعقد اتفاقا مع الشركات الاحتكارية ترهن بموجبه الأراضي المشمولة بالقانون رقم 80 للشركات تحت ستار استثمارها من قبل شركة مختلطة من الحكومة والاحتكارات. وكان الحزب قد وقف موقفا صلبا من ذلك المشروع المشبوه واستطاع ان يعبئ الرأي العام ضده بمشاركة القوى الوطنية الأخرى وان يطيح به). ان الشعار الذي كان اول من رفعه هو ثورة تموز – يوليو في العراق وهو (نفط العرب للعرب) لم يكن حتى متحققا في ذلك الحين في تطبيقه الجزئي وهو ان يكون نفط العراق للعراق وحده. ولقد بدأ العراق في جويلية 1969 ، اي بعد قيام الثورة بعام واحد أول خطوة في محاولاته تجسيد شعاره، حينما توصل الى اتفاق مع الاتحاد السوفياتي لمعاونته في الاستثمار الوطني المباشر للنفط في حقول (الرميلة). ولقد اعتبرت الشركات الاحتكارية هذا الموقف – على حد تعبير التقرير السياسي – تحديا خطيرا لمصالحها ومستقبلها في العراق. واجتهدت بكل الطرق حتى عام 1972 في ان تلتف حوله وتفشله وتخنقه في النهاية. ولكن الاتفاق تم تنفيذه بنجاح بفضل يقظة وصلابة وحزم الإرادة الوطنية. لقد كان مجرد عقد هذا الاتفاق مع السوفيات في (هذا الميدان الاستراتيجي الخطير الذي يمس جوهر المصالح الامبريالية في المنطقة) يعتبر جرأة بالغة من جانب الثورة الوليدة التي لم تتسلم سوى خزائن خاوية. ولم تكن قد شبت بعد عن طوقها في تحدي القوى الامبريالية واخطبوطها المتمثل في الشركات الاحتكارية (واذا كان من المفيد التشبيه) – على حد تعبير طارق عزيز في كتابه (ثورة الطريق الجديد)- (فإن الاتفاق مع الاتحاد السوفياتي على استثمار نفط شمال الرميلة وطنيا يعادل من حيث الأهمية التاريخية إقدام مصر في عام 1955 على كسر طوق السلاح وشرائها السلاح من البلدان الاشتراكية ان لم يكن أكثر أهمية). (يتبع)