لازالت بلادنا تعيش على وقع نتائج «البكالوريا» ' و«النوفيام» و»السيزيام». حيث كان النجاح من نصيب الكثيرين مع ارتفاع ملحوظ في عدد الناجحين مقارنة بالسنة الماضية. ولكن كان الاخفاق من نصيب البقية بما يدفعنا الى التساؤل كيف يمكن أن نرفع أكثر من نسب النجاح ونخفف من عدد الراسبين؟ وكيف يمكن أن نحسّن من المستوى العلمي لتلاميذنا انطلاقا من هذه النتائج؟ وما يجب الاشارة اليه انه مع اجواء الامتحانات وانتظار النتائج ثم الاعلان عنها لا يمكن ان نتجاهل جنود الخفاء الذين يعملون بالادارة العامة للامتحانات صباحا مساء ويوم الاحد دون كلل ولا ملل لتأمين سير الامتحانات على مستوى وطني دون اشكاليات من نقل الى مسافات طويلة و ' سرية' ومقاومة الاغراءات والتهديدات ...الخ لتنتهي كما هو الحال دون أخطاء ودون تسريبات ودون نسبة عالية في الغش وعلى رأس هؤلاء المدير العام عمر الولباني الذي نجح في أداء واجبه طيلة السنوات التي شغل خلالها هذا المنصب ايمانا منه بأن العلم هو قاطرة التقدم ببلادنا. «الشروق» تحدثت اليه حول حصيلة هذه الامتحانات وتقييم النتائج و الهنات التي تحد من تحقيق نسب هامة للنجاح. وفي مايلي تفاصيل الحوار. ما هو تقييمكم لنتائج البكالوريا بدورتيها الرئيسية والمراقبة ؟ الملفت للنظر أننا سجلنا تحسنا على مستوى النسبة العامة ب4 نقاط. وهي مهمة بالمقارنة مع 2017 و 2018. و كل نقطة بألف ناجح اضافي أي أن هناك 4 آلاف ناجح اضافي هذه السنة والنسبة العامة 45.62 بالمائة . كما أن نتائج دورة 2019 كانت الافضل على مستوى النسبة العامة للنجاح من 2015 و2016 رغم أنهم احتسبوا خلالها نسبة 20 بالمائة. حيث سجلنا 36.09 خلال 2015 و 44.88 خلال 2016 . كما أن نسبة نجاح دورة المراقبة التي تقدم لها 40 ألفا و254 تلميذا كانت 40.46 بالمائة. وهذه النسبة هي ثالث أحسن نسبة يتم تسجيلها خلال 20 سنة أي من 1999 حيث سجلنا نسبا هامة في 2000 و2003. وهذا يفسر أهمية دورة المراقبة التي ساهمت ب 28.73 بالمائة من جملة الناجحين. ماهي الأسباب التي أدت الى تحسن نسب النجاح وفقا لقراءتكم للنتائج؟ إن الاجراء الذي تم اتخاذه منذ سنوات والمتمثل في الحذف التدريجي لاحتساب ال25 بالمائة ثم اعتماد ال 20 بالمائة ثم التخلي عنها نهائيا أدى بالتلاميذ الى التعويل على الامتحان فقط وليس على المعدل السنوي والتركيز أكثر خلاله مما أدى بصفة آلية الى تحسن النسبة وبالتالي البرهنة على ان إلغاء ال25 بالمائة سوف يساهم في تراجع نسب النجاح هو تفكير مغلوط وبلوغ نسبة نجاح ب45 بالمائة في تقديري هي نسبة هامة رغم الظروف الصعبة التي مرت بها السنة الدراسية رغم تحسن نسب النجاح وفقا للأرقام الا أنها تظل دون المأمول بالنسبة الى العائلات التي تتعب كثيرا خلال السنة الدراسية لأجل نجاح أبنائها وايضا بالنسبة الى بلادنا التي تراهن على التعليم ' لماذا حسب رأيكم وكيف يمكن بلوغ نسبة 70 بالمائة؟ لقد قلتها في أكثر من مناسبة إنه حتى لو توفرت سنة دراسية على كل المقومات فإننا في كل الحالات لن نذهب بعيدا بالنسبة العامة للنجاح. ولن نصل الى نسبة 60 أو70 بالمائة. وسنظل نعاني من 100 الف تلميذ يتسربون بصفة تلقائية أو بقرار من مجلس القسم. والسبب الرئيسي هو هيكلة التعليم الثانوي الحالية التي تفرض على النسبة العامة للنجاح عدم تجاوز 50 بالمائة. ماهي عيوب الهيكلة الحالية؟ في الهيكلة الحالية لا يوجد الا مسار واحد هو مسار التعليم العالي. في حين لو كانت هناك مسارات متعددة ومسالك متعددة (المسار المهني والمسار التكنولوجي )تلبي طموحات ورغبات وقدرات التلاميذ فإنه لا يمكن أن تكون لدينا 100 ألف متسرب من الدراسة ومن يواصل في التعليم العام هم التلاميذ الذين لديهم قدرة على المواصلة. وكذلك على مستوى الشعب توجد لدينا 7 شعب حاليا بينما يمكن الاستغناء عن بعضها. والنظام الحالي يجبر الجميع على التوجه نحو التعليم العام في حين لديهم قدرات أخرى في مجالات أخرى. وبالتالي تنويع المسارات هو الضروري حتى يجد كل تلميذ حظه حينها يمكن بلوغ نسبة 70 بالمائة نجاحا في البكالوريا. وفي اعتقادي عملية الاصلاح تنطلق بإعادة النظر في هيكلة التعليم العام حتى تكون المنظومة التربوية عبارة عن باقة من المسارات. فيجد فيها كل تلميذ حظه. والهيكلة الحالية تفرض مسارا واحدا. ومن لم ينجح يجد نفسه تائها. وتعدد المسارات هل هو الحل؟ لكنه يستوجب أن يكون في اطار تشاركي خاصة مع وزارتي التعليم العالي والتكوين المهني والتشغيل. ولن يكتب لأي مشروع النجاح اذا لم يكن هناك شراكة مع هؤلاء وبالتالي يجب تجاوز مرحلة التشخيص والمرور الى مرحلة الفعل.. ماذا عن معطى التميز في البكالوريا هذا العام؟ 75 بالمائة نجحوا بملاحظة متوسط أي أن 3 أرباع الناجحين مكتسباتهم متواضعة. بينما نسبة من حظوا على ملاحظة قريب من الحسن 14.36 بالمائة ومن هم في وضعية تميّز بين حسن وحسن جدا حوالي 10.5 بالمائة. والشعبتان المعنيتان بملاحظة متوسط بصورة واضحة هما شعبة الآداب 92.31 بالمائة والاقتصاد والتصرف 86.76 بالمائة . رغم كل الاحتياطات التي اتخذتها الوزارة لمكافحة الغش الا أنه تم تسجيل عديد الحالات فهل من تفاصيل؟ 866 هو عدد الحالات التي سجلناها خلال الدورتين. وهناك تراجع ب100 حالة. وعندما نبوّبها حسب الصنف نجد 606 حالات غش بالعمومي و214 بالمعاهد الخاصة و 46 بصفة فردية. ولكن ما نلاحظه أن النسبة بالمعاهد العمومية تكاد تكون مناصفة بين الاناث والذكور. وعلى مستوى الشعب شعبة الاقتصاد والتصرف تحتل الصدارة ب323 حالة غش تليها الآداب 188 والعلوم التقنية ب162 في حين في شعبة الرياضيات لم نسجل الا 17 حالة رغم أن الناس يعتقدون أنها الشعبة التي يمكن أن تمارس فيها عملية الغش. وهنا يمكن أن نستنتج أن شعبة الآداب والاقتصاد والتصرف هما الشعبتان اللتان نجد بهما حالات غش لأن التلميذ غير مرتاح في هذه الشعب. وربما توجه اليها لأنه ليس لديه خيار ولو كانت لديه مسالك أخرى لما تواجد بها. هل ساهمت الجمعيات المعنية بالشأن التربوي في مكافحة الغش؟ للأسف لم تساهم ولو جمعية واحدة في هذا المجهود رغم اتفاقيات الشراكة المبرمة بين الجانبين. وتكتفي فقط بتحميل المسؤولية للوزارة. استحسن الجميع البروز الواضح للتعليم العمومي في نسب النجاح رغم كل هناته فماذا عن الأرقام؟ تبقى المدرسة العمومية هي الرائدة والقاطرة بمنظومة التربية بتونس. حيث سجلنا نسبة 51.92 بالمائة في العمومي وفي الخاص 12.68 بالمائة. وهنا المعاهد الخاصة على الرغم من انها تستفيذ من المنظومة العمومية من حيث المحتويات والكتب والمقاربات واطار التدريس والامتحانات والاصلاح الا أنها لم تطور من نفسها خاصة في الثانوي لتحقيق نسب نجاح هامة. وتبقى المنظومة العمومية هي التي تبتكر وتقدم تصورات وتبني. وهناك من جرّب الخاص. ثم عاد الى المدرسة العمومية رغم هناتها . وماهي الهنات التي يجب تجاوزها ليستعيد التعليم مكانته المعهودة؟ في اعتقادي منظومة التقييم الحالية كلاسيكية ويجب أن تتطور. ولايمكن ان يكون ذلك الا بمراجعة هيكلة التعليم. وهناك اجماع حاليا على ذلك من جميع القائمين على الشأن التربوي. ولابد من فتح معابر ومسالك أخرى مع امكانية الرجوع وذلك لفتح الآفاق وخلق بكالوريا مهنية وبكالوريا تكنولوجيات حتى نتخلى عن النظرة الدونية نفكر وفقا لحاجة سوق الشغل وحينها نحد من التسرب المدرسي . ومن المسائل الكلاسيكية التي يعاني منها تعليمنا أن التقييم يهم فقط الجانب المعرفي ويهمل الجانب المهاري والجانب الوجداني أليس الهدف الاسمى بالمدرسة هو تكوين شخصية متكاملة وشاملة والاكتفاء بالجانب المعرفي فقط يجعل طريقة التدريس تلقينية. ومن غير المعقول تقييم التلميذ في مواد الفرنسية والانقليزية وعلوم الحياة والارض عن طريق الورقة فقط. ويجب العمل على التقييم والمقاربات واطار التدريس وتوفير التقييم الشفوي الذي كان معتمدا في تونس في السبعينيات وحاليا معتمد في فرنسا والتعليم ليس تلقينا. بل يجب ان نساعد التلميذ على التفكير. فلو قمنا بإعادة نفس الامتحان الى نفس التلاميذ فإنهم سيحصلون على معدلات أقل لأن -للأسف- شغلنا الشاغل هو الامتحان وثقافة العدد. وهي افكار مغلوطة تنفّر التلميذ من التعليم. ولا تصنع جيلا مفكرا يفيد البلاد وفقا للارقام لاحظنا عدم الإقبال على مناظرتي «النوفيام» و»السيزيام» كمحطتين تقييميّتين هامتين للتلميذ ماهو رأيك؟ 170 الف تلميذ في السنة السادسة اجتاز منهم الامتحان 49 ألف تلميذ فقط. يعني هناك 120 الف تلميذ لا نعرف مستواهم الحقيقي. وفي التاسعة 120 ألفا يدرسون اجتاز منهم الامتحان 22 ألف تلميذ. وسجلنا هذه السنة 100 الف تلميذ اجتازوا امتحان البكالوريا دون ان يخضعوا لاي امتحان وطني. وهي حالة غريبة وشاذة على مستوى المنظومة. إذ كيف يمكن أن تتفطن الى ضعف المنظومة بعد مرور 13 سنة على دراسة التلميذ وتتدارك النقائص وليس لديك تقييم بينما كان يفترض التدارك وقتها. هل من الضروري الاسراع في العودة الى إجبارية «السيزيام» مع إجبارية «النوفيام» لإصلاح تدني المستوى؟ يجب أن تكون هناك فرصة للتقييم مقسمة على المسار الدراسي. ويجب ان يتخذ أصحاب القرار جميع الاجراءات اللازمة في ذلك لان المحطات التقييمية الاجبارية على غاية من الاهمية في النظم المتقدمة. حيث تتوزع على الامتحان الوطني وكذلك التقييمات الشخصية في مرحلة الابتدائي خلال السنة الرابعة وفي الاعدادي نهاية السنة الثامنة. وتشمل المواد الاساسية للتدارك بينما العمل بطريقة «عدّي عدّي» لاتؤدي الا الى تراجع المستوى وفقا للتقييمات الوطنية والدولية. وعلى سبيل المثال لاحظنا هذه السنة تراجعا في مستوى الرياضيات. اذ من 50 الف تلميذ اجتازوا مناظرة «السيزيام» تحصل 2.56 بالمائة منهم على 15 وهو ما يعني أن لدينا اشكالا في الرياضيات وهو اساس الاعلامية والتقنية والفيزياء في ما بعد. حاورته: نزيهة بوسعيدي