بعد أن استعرضنا أسس تفكير صدام حسين في عدة قضايا، ينبغي ان نتوقف عند لحظة لنواجه مجموعة من الاسئلة الملحة التي قد تثير حساسية البعض هنا او هناك على هذا الجانب او ذاك، بينما نتصور على العكس منهم ان التعرض لها – بصرف النظر عما تثيره وما سوف تثيره – اضاءة لجوانب من الصورة ربما تخفي لسبب او لآخر على اولئك الذين لم يضع التعصب او الجهل او الحقد او الانحياز المسبق غشاوات . هل كان صدام حسين حاكما مطلقا، دكتاتورا فردا، يمارس البطش والقمع على المواطنيين؟ هل كان ممثلا لمصالح (البرجوازية) في مجتمعه يدوس على مصالح الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية الفقيرة والكادحة؟ ماذا كان موقفه من قضايا الاقليات القومية في وطنه وعلى رأسها القضية الكردية؟ وما هو موقفه الحقيقي من مسألة وجود وممارسة الاحزاب الاخرى ومن بينها الحزب الشيوعي العراقي لنشاطاتها السياسية داخل العراق؟ وهل كانت الجبهة الوطنية والتقدمية في نظره مجرد موقف تكتيكي مؤقت ام انها كانت جزءا لايتجزأ من استراتيجية الثورة اقامتها بإرادتها او لعبت الدور الاكبر في اقامتها وما كانت تريد لها ان تفصم؟ وبتحديد ادق هل السلطة في العراق التي كان يقف على رأسها صدام حسين معادية للشيوعية كسائر السلطات وكافة الانظمة بغير استثناء الموجودة في الساحة العربية بما فيها تلك التي توجد بها احزاب شيوعية (ديكورية) تأتمر بأمر السلطان وتسارع الى توقيع بياناته وتفنى في خدمة اهدافه والاستجابة الى طلباته؟ ام أن السلطة في العراق مختلفة مع الشيوعية في اسسها الفلسفية وفي المناهج السياسية العملية لمعالجة جانب او اخر من القضايا المصيرية كقضية القومية العربية والوحدة العربية والقضية الفلسطينية ومسألة العلاقات مع الاتحاد السوفيتي وطبيعتها وحجمها ومداها وفلسفتها، كما تمارسها بعض الاحزاب الشيوعية العربية الرسمية؟ واذا لم يكن الامر مجرد قضية فلسفية حول خلق العالم ونشأة الانسان وتطور المجتمع وإنما قضية ممارسة نضالية في الزمان المحدد والمكان المحدد من اجل تغيير مجمل العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تغييرا جذريا وتقدميا وهو ما لم تتراجع عنه او تقصر فيه السلطة في العراق لأنه ماهية وجودها ومبررها فلماذا جرى ما جرى فانفرط العقد وتهدمت العروة الوثقى؟ ومن الذي يتحمل المسؤولية التاريخية في ذلك كله؟ ومن تراه الخاسر في النهاية؟... اذا لم يكن السؤال – كما قد يفهمه البعض – تعبيرا عن نزعة براغماتية يزورون عنها بوجوههم وإنما تعبير في جوهره عن الحرص على (التجربة) التي تألقت لسنوات في الظلمة وكان جدير بها ان تواصل اشعاعها في نفس الوقت على كل حلبات (المصارعة الرومانية) في وطننا العربي؟ ان الاجتهاد في محاولة الاجابة عن هذه الاسئلة سوف يقتضينا : اولا – العودة الى ماقبل ثورة 17جويلية 1968 في العراق مباشرة كي نلقي نظرة سريعة خاطفة على صورة العراق السياسية قبل قيامها. ثانيا – العودة الى ايديولوجية صدام حسين نفسه في اقواله وممارساته وبالتحديد فيما يتعلق بثلاث قضايا : قضية الديمقراطية قضية الاقلية القومية الكردية قضية الجبهة الوطنية والقومية التقدمية. واذا حاولنا القاء نظرة على الوضع العام في العراق عشية ثورة 17-30 تموز – جويلية، من جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ضوء المقاييس العامة السابقة لوجدنا انه لم يكن قد قطع اية اشواط لها تأثيرها او عمقها او دلالتها الكبيرة فيما يتعلق بمرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية. و على صعيد العلاقة بين القوميتين المتآخيتين في العراق وهما العربية والكردية، فإن الحرب المسلحة بين السلطة المركزية وسلطة البرزاني العشائرية على الاكراد ما كانت تتوقف للحظة من اجل التقاط الانفاس تحت شعارات زائفة للسلام حتى تعود فتشتعل نيرانها مرة اخرى مع توقد جديد اشد سعيرا للنزاعات الشوفينية والرجعية الضيقة الافق وكلما ازداد انهمار الدماء ارتفع بالتالي رصيد الحقد والمرارات في النفوس وشكل ذلك كله مزيدا من العقبات في وجه اي حلول تستهدف حقن الدماء وتوفير الاموال الضخمة التي تنفق كل يوم وعودة السلام الحقيقي الى ربوع الوطن كله. يتبع