حفصيّون خلفوا بني خراسان على مدينة تونس فكانت لهم عاصمة لكامل إفريقيّة في أوسع امتدادها الجغرافي ، إلى بجاية وقسنطينة غربا وإلى طرابلس شرقا في فترة قوّتهم، من تاريخهم الطويل ، من ق 13 إلى ق 15 م . إنّ أهمّ السّمات التي لاحظها روبار برنشفيك في السكّان في ذلك العهد التباين في الأصل واللغة والدين ونمط العيش مقابل التوازن الذي فرضه ذلك التباين نفسه بين مختلف العناصر لضرورة الاندماج والتعايش. كان أفراد العائلة المالكة مع الموحّدين الذين ساندوهم من قبل من جنوب المغرب الأقصى . وكانت القبائل الزاحفة من بني هلال وبني سليم منذ قرنين قد اندمجت في القبائل البربرية وساهمت في تعريبها .وكانت حروب الاسترداد بإسبانيا تدفع الأندلسيين إلى الهجرة إلى السواحل الإفريقية التي منها تونس.كما كانت القرصنة تجلب الأسرى النصارى زيادة على تحالفات السلاطين الحفصيين مع دول جنوب أوروبا التي كانت بدورها تفتح أبواب التجارة والإقامة للعلوج حتّى كان منهم أصهار الأمراء . وكانت إفريقيا السوداء تدفع هي أيضا بالعبيد ليتوزّعوا على العائلات البيض حتّى حدّ التزاوج والتهجين، وبالتالي تعايشت العناصر المحلّية مع العناصر الداخلية ، وتعايش الإسلام مع اليهوديّة والمسيحيّة بغلبة السنّة على الإباضيّة بقدر غلبة اللغة العربيّة على اللهجات البربريّة واللغة العبريّة باستثناء الجنوب وجربة بالخصوص الأمر الذي فرض على المتقدّمين للوظائف السامية حذق أكثر من لغة بما يمكّن من المفاوضات السياسيّة والتجاريّة فضلا عن المعاملات اليوميّة . وقد ترتّب عن ذلك الاختلاف في الأصل واللغة والدين اختلاف في نمط العيش والتقاليد بين سكّان المدن وبين الأرياف بالمستقرّين فيها وبالرحّل. وإذا كان القانون وفق أحكام الشريعة والمعاهدات يحمي أهل الذمّة في العاصمة والمدن الكبرى فإنّ العدوان والفوضى كان المهدّدين لأمن البوادي وأرزاق المزارعين ممّا استوجب تحالفات بينهم وبين جماعة من الأعراب تحميهم من جماعات غازية ناهبة قاطعة للطرق، خاصة في ظروف ضعف الدولة حينما تمكّن المرينيون – القادمون هم أيضا من المغرب الأقصى – من إزاحة الحفصيين لمدّة معيّنة في مناسبتين ، وعندما انقسمت الدولة إلى شرقيّة وغربيّة ثمّ أصبحت هدفا للصراع العثماني الإسباني بتعلّة النجدة، نجدة المسلمين في الظاهر ونجدة وليّ العهد في الحقيقة، في جوّ التنافس والكيد بين أفراد الأسرة الحاكمة إلى حدّ الثورة والاغتيال – خاصة من تولّوا صغارا – مقابل التفضّل على المؤيّدين بإقطاعات ترابيّة على حساب أملاك الدولة ومداخيل الخزينة، زيادة على الخسائر الماليّة والمادّية والبشريّة. على أنّ الدولة لم تكن دوما ضعيفة مثلما لم تكن قويّة، فهذا المستنصر يعلن نفسه سنة 1253م أميرا للمؤمنين وخليفة فيعترف الداخل والخارج بصفته على طريقة الموحّدين أجداد الحفصيين مذ أظهر هؤلاء إخلاصهم من خلال رمزيّة جامع القصبة والمراسم والمؤسسات والمصطلحات الإداريّة والمذهبيّة. كان منها لمواليهم الحجابة والجيش والماليّة ، وكان منها للأندلسيين القلم على قدر نبوغ أولئك في الدفاع والحرب برّا وبحرا وهؤلاء في العلم والأدب نظما ونثرا ، فكانت أولى مدارسهم المدرسة الشمّاعية . وقد انتقد محمد الطالبي النخبة الأندلسيّة في نقل جرثومة الفساد التي قضت على الأندلس - من عصر الطوائف حتّى سقوط غرناطة - إلى البلاط الحفصي ، فكانت الاستعانة بالإسبان هنا كالاستعانة بهم هناك، وبأيّ ثمن؟ حتّى قاد لويس التاسع صليبيّته إلى تونس ثمّ احتلّها الإسبان إلى أن أجلاهم الأتراك ( خير الدين بربروس ثمّ الغازي درغوث باشا ثمّ سنان باشا ) فتحرّرت تونس مثل المهدية وجربة وقرقنة وطرابلس. ولا شكّ أنّ ذلك الفساد المنعكس على المجتمع والاقتصاد قد حال دون التجديد والإبداع في الثقافة، وفسح المجال للمدّ الصوفي – القادم هو أيضا من المغرب الأقصى – فاتّخذ السكان من شيوخ الطرق - كسيدي أبي الحسن الشاذلي وسيدي ابن عروس - سلاطين أقرب واتقى يحمونهم من أطماع الولاة وعدوان الأعراب كما يحمونهم من المدّ التبشيري المسيحي . ولم يشذّ في اتّجاه النقد والإضافة غير واحد ، هو ابن خلدون بعقلانيّته . ولكنّ سلفيّة خصمه ابن عرفة ( 716 – 803 ه / 1316 – 1401 م ) وصوفيّة الزوايا ونكبات الدهر في حياته الشخصيّة دفعته إلى المغادرة والمغامرة غربا وشرقا حتّى النهاية المقدورة والمقدّرة – بصيغتي اسم الفاعل واسم المفعول – في القاهرة . وفيما يلي تسلسل سلاطين بني حفص : أبو زكّرياء يحيى ( حكم 626 – 647 ه / 1228 – 1249 م ) . المستنصر بالله الأوّل ( 647 – 675 ه) / 1249 – 1277 م ) . يحيى الواثق ( 675 – 678 ه / 1277 – 1279 م) . أبو إسحاق إبراهيم ( 678 – 683 ه / 1279 – 1284 م). المستنصر بالله الثاني ( 683 – 694 ه / 1284 – 1295 م). أبو عصيدة محمد ( 694 – 709 ه / 1295 - 1309 م ) . أبو بكر الشهيد ( حكم 17 يوما من سنة 709 ه / 1309 م ). أبو البقاء خالد (709 – 712 ه / 1309 – 1312 م ) . زكّرياء بن اللحياني ( 711 – 717 ه / 1311 – 1317م). محمد أبو ضربة ( 717 – 718 ه / 1317 – 1318 م). أبو بكر الثاني ( 718-747 ه / 1318 - 1346 م). أبو حفص عمر الثاني ( 747 – 748 ه / 1346 – 1347م). الفضل بن أبي بكر ( قتل سنة 751 ه / 1350 م). أبو إسحاق إبراهيم ( 751 – 770 ه / 1350 – 1368م). خالد الثاني ( 770 – 772 ه / 1368 – 1370م). أبو العبّاس أحمد ( 772 – 796 ه / 1370 – 1393م). أبو فارس عبد العزيز ( 796 -837 ه / 1393 – 1433م). محمد المنتصر ( 837 – 839 ه / 1433 – 1435 م). أبو عمر عثمان ( 839 – 893 ه / 1435 – 1487 م) أبو زكّرياء الثالث ( 893 – 899 ه / 1487 – 1493م). أبو عبد الله محمد الثاني (899 – 932 ه / 1493 – 1525 م). الحسن بن أبي عبد الله (932 – 935 ه / 1525 – 1528 م، ثمّ سنة 942 ه / 1535 م بمساعدة شارلكان – أو شارل الخامس – ومشاركة أحد قواد جيوشه الإسبانيّة). أبو العبّاس أحمد (حميدة) الثاني ابن الحسن (942 – 980 ه / 1535 – 1573 م بمساعدة الإسبان على والي الجزائر علي باشا المستولي على تونس للسلطان العثماني سليم الثاني سنة 977 ه / 1569 م). أبو عبد الله محمد بن الحسن (980 – 981 ه / 1573 – 1574 م). (يتبع)