لقد مر العراق – ربما اكثر من اي قطر عربي اخر – بظروف شاقة بالغة الحدة سواء في علاقة الاطراف السياسية ببعضها البعض في داخله او في مجمل نضال هذه القوى الوطنية على نطاق المجتمع ككل. ولقد كان الاستعمار والامبريالية والرجعية هي المشاجب التقليدية التي تعلق عليها الاخفاقات التي تمنى بها هذه القوى في نضالها. اما صدام حسين فانه يخترق هذا الحاجز التقليدي ويشير بإصبعه الى عوامل اخرى . ان سر ذلك كامن في العوامل الذاتية، في النضج، في الاستفادة من التجارب و في التحليل الصائب و في المواقف الصائبة في كبح جماح العواطف غير المشروعة وفي كبح جماح النظرة الآنية التي كانت دائما تنطلق من حسابات خاطئة غالبا ما كانت تتم على حساب الهدف الاستراتيجي.ثم يضيف بطريقة اكثر تحديدا «الرجعية واليمين والامبريالية وركائز الرجعية وركائز الامبريالية واليمين كعقلية واليمين كمصالح موجودون في المجتمع ووجودهم ليس ابن اليوم او ابن تلك المرحلة التي مرت بنا وشهدنا اخفاقاتها وجودهم يمتد الى سنين قبل هذا التاريخ».. وما يهدف اليه صدام حسين من هذا القول هو ان يجعل من هذه الحقائق جميعا : (طريقا في عملية النظرة الى النفس والنظرة الى الغير والنظرة الى المسيرة وتصور المستقبل ومستلزمات هذا المستقبل ايضا.. ينبغي ان نقول بوضوح ان احدى المشكلات الكبرى التي كانت تواجه اي قائد سياسي في العراق هي : مشكلة الحل الديمقراطي للقضية الكردية فمنذ عهد عبد الكريم قاسم ثم عهد العائلة العارفية (عبد السلام عارف و عبد الرحمن عارف) وجبال كردستان في شمال العراق تصطبغ كل يوم بدماء العرب والأكراد بلا نهاية متوقعة في الافق. ولقد استطاع حزب البعث ان يقدم صيغة متكاملة نظريا وسياسيا وعمليا تعتبر تحولا تاريخيا لا في نضال الجماهير الكردية وتطلاعاتها القومية المشروعة فحسب، بل في نضال جماهير العراق كله عربا وأكرادا من اجل بناء مجتمع ديمقراطي تقدمي يعطي المثل لغيره من المجتمعات المحيطة به في حل مسائل القوميات المتعددة بداخلها وتجسدت هذه الصيغة في البيان الشهير الذي عرف باسم بيان 11 مارس. وانطلق حزب البعث في وضع الصيغة الجديدة من ثلاث منطلقات اساسية حددها التقرير السياسي للمؤتمر القطري الثامن في مايلي : - ان الحركة القومية الكردية في العراق برغم بعض الملابسات التاريخية التي رافقتها وما تحتويه من شوائب واتجاهات انعزالية رجعية بعضها على صلات مفضوحة بالدوائر الاستعمارية والرجعية، فهي من حيث الجوهر والأساس حركة قومية تمتلك في حدود مطالبتها بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في اطار الجمهورية العراقية وعلى رأسها الحكم الذاتي مبررات مبدئية وواقعية وإنها في هذا الاطار جزء اساس من الحركة الوطنية في القطرالعراقي. - ان حزب البعث العربي الاشتراكي حزب قومي انساني واشتراكي وديمقراطي العقيدة لذلك من الطبيعي تماما ان يتفهم الحقوق المشروعة للجماهير الكردية وان يناضل في سبيل تأمينها وضمانها... ولما كان الحزب يقود السلطة الثورية في البلاد منذ 1968 فانه يتحمل المسؤولية الاساسية في ضمان هذه الحقوق في صيغ دستورية وقانونية واجرائية. ان المنهج الثابت والاساس الذي يعتمده حزب البعث العربي الاشتراكي في الوصول الى تامين هذه الحقوق وضمانها هو المنهج السلمي والديمقراطي عن طريق التعاون المخلص والايجابي مع القوى الخيرة الوطنية والتقدمية في صفوف الجماهير الكردية وفي اطار العمل الوطني المشترك المتمثل بالجبهة الوطنية والقومية التقدمية. وعندما صدر بيان 11 اذار – مارس الذي يعطي الحقوق القومية الكاملة للشعب الكردي في اطار الوحدة الوطنية للشعب العراقي وقفت ضده بعض القطاعات من جانب الاكراد ومن جانب العرب على السواء فبعض القطاعات الكردية التي كانت تلتف حول قيادة الملاّ مصطفى البرزاني الرجعية الاقطاعية ذات الارتباطات السافرة بالقوى الرجعية والصهيونية والامبريالية خارج العراق وقفت ضده لانها كانت تستهدف الانفصال، لا الحكم الذاتي وبعض العناصر العربية وخصوصا داخل القوات المسلحة العراقية – وبعضها كان له مستواه القيادي – كانت ضده او لا تؤمن على الاقل بجوهره لان لها حساباتها الخاصة التي تتعلق بمواقعها التي كانت لها في صفوف القوات المسلحة واعتبرت صدور مثل هذا البيان بمثابة وضعها على المطرقة وتجريدها من اية وسيلة للدفاع عن النفس بسبب الملابسات التي كانت سائدة قبل 11 آذار –مارس في العلاقات القائمة ولذلك فقد قاد الحزب يومئذ نضالا شاقا مع النفس ونضالا شاقا في داخل المجتمع من اجل ان يولد بيان 11 اذار – مارس عام 1970.. كما قال صدام حسين نفسه. يتبع