في هذه العاصمة مرّ الخطّ المنقوش بثلاث مراحل، من الكوفي الغائر البسيط منذ سنة 250 ه / 864 م إلى البارز المورّق ثمّ المزهّر في العهد الصنهاجي، إلى اللّيّن المتأثّر بالأندلسي الغائر في الرّخام المملوء بالرصاص المصهور ذي اللّون الأسود أو الرمادي، بالعربيّة أو التركيّة، في العهدين التركي والحسيني منذ سنة 1574 م . وذلك مواكبة للنهضة العمرانيّة المتجلّية في عديد الكتابات الشاهديّة بالخطّين الثلثي والنسخي ومشتقّاتهما على المساجد والجوامع والزوايا والمدارس والأسواق والأبواب والثكنات والجسور والأسبلة والحمّامات والتربات ومشاهد القبور. وبهذه الأخيرة، بالخصوص، اهتمّ المرحوم سليمان مصطفى زبيس (1913– 2003 م ) رائد علم النقائش العربيّة التونسيّة فيما دوّنه من مقابر تونس والقرجاني والمنستيروالقيروان. وواصلت جهوده رجاء العودي عدوني فيما يخصّ المعالم . وفيما يلي تعليقها، كنموذج، على نقيشة تذكاريّة راجعة إلى العهد التركي المرادي، على رخامة مثبّتة على جدار رواق جامع الزيتونة على ساكف باب مدخل الصحن، وبالتالي الواجهة المطلّة على سوق الفكّة ( الفاكهة): « تعدّ هذه النقيشة المؤرّخة بسنة 1047 ه (ق 17 م) من أجمل وأثمن النقائش التذكاريّة التي تحفظها معالم مدينة تونس. فهي جميلة بازدواج أسلوب خطّها . فقد نفّذت بخطّ تونسي محلّي وهو الخطّ المغربي بتقنية ذات طابع تركي : حروف غائرة مملوءة رصاصا . ونصّها ثمين لأنّه يؤرّخ الأشغال التي أقيمت بالجامع في تلك الفترة بدقّة متناهية، وفي نفس الوقت تذكّر بتواريخ بنائها في الفترات الحفصيّة السابقة بعرض الأجزاء التي جدّدت أو أعيد بناؤها في تاريخ النقيشة. وبالتالي هذه النقيشة لا تبهر بجماليّتها الفائقة وازدواجيّة أسلوبها فحسب، بل تجلب الانتباه إلى القيمة التوثيقيّة التاريخيّة لمضمون نصّها. « (الخط بمدينة تونس من خلالها النقائش العربية / تاريخ وآفاق. – في : منير رويس: إسهامات الزيتونيين في الترامج والتحقيقات . – مجمّع الأطرش، تونس 2017، ص 191 – 223، والتعليق في ص 216). الدولاتلي (عبد العزيز): الزيتونة / عشرة قرون من الفن المعماري التونسي. - المعهد الوطني للتراث، تونس 1996؛ زبيس (سليمان مصطفى): الفنون الإسلاميّة . – المعهد القومي للآثار والفنون، تونس 1978 ؛ نقائش تونس وأحوازها . – إدارة الآثار والفنون، تونس 1955 ؛ نقائش المنستير . – المعهد القومي للآثار والفنون، تونس 1960 ؛ نقائش القرجاني . – المعهد القومي للآثار والفنون، تونس 1962 ؛ نقائش جديدة من القيروان. – المعهد القومي للآثار والفنون، تونس 1977 (عربي فرنسي)؛ العودي عدوني (رجاء) : نقائش أسبلة مدينة بنزرت. – في: مجلة إفريقية 16، المعهد الوطني للتراث، تونس 1998، ص 39 – 105 ؛ نقائش تذكاريّة حفصيّة من مدينة تونس. – في: جماعي: دراسات في الآثار والنقائش والتاريخ تكريما لسليمان مصطفى زبيس، المعهد الوطني للتراث، تونس 2001؛ قيقيّة (محمد) : جمالية الخط الكوفي بالقيروان. – في: جماعي : فعاليات أيام الخط العربي .- بيت الحكمة، قرطاج / تونس 1997 ؛ المنوني (محمد) : لمحة عن تاريخ الخط العربي والزخرفة في الغرب الإسلامي. – في : المجلة التاريخيّة المغربيّة ع 53 – 54، تونس، جويلية 1989. خطّ مارث يوجد خط مارث الدفاعي بمنطقة مارث – توجان من ولاية قابس بالجنوب الشرقي التونسي. ويعرف بخط ماجينو (Maginot) الصحراوي . لعب دورا هامّا في سير المعارك أثناء الحرب العالميّة الثانية من نوفمبر 1942 إلى ماي 1943 . وقد شرع الجيش الفرنسي في بناء هذا الخط الدفاعي سنة 1936 فتمّ في جوان 1940، وذلك لصدّ هجوم محتمل للقوات الإيطالية على البلاد التونسية انطلاقا من الأراضي الليبية الخاضعة آنذاك للاحتلال الإيطالي. يمتدّ هذا الخطّ على طول 45 كلم رابطا بين البحر ومرتفعات جبال مطماطة ومعتمدا على وادي زيقزاو. ويحتوي على 40 حصنا للمشاة و8 حصون كبيرة للمدفعية و15 مركز للقيادة و28 نقطة مساندة مبنيّة كلّها بالإسمنت المسلّح ومعزّرة بالمدافع المضادة للدبّابات والطائرات، بالإضافة إلى الخنادق والأسلاك الشائكة وحقول الألغام . ولكن غداة هزيمة الجيوش الفرنسية في جوان 1940 أمام الزحف الألماني على فرنسا وتوقيع الهدنة بينها وبين ألمانيا وإيطاليا قامت لجنة فنّية مختصّة ألمانية إيطالية بتجريد خطّ مارث من الأسلحة والمعدّات. وعلى إثر تراجع جيوش المحور بقيادة الماريشال رومل Rommel)) بداية من 4/10/1942 من التراب الليبي إلى التراب التونسي، أمام ضغط الجيش الثامن البريطاني بقيادة الجنرال منتقومري ((Montgomery في معركة العلمين، قررت قيادة جيش المحور إعادة تسليح خط مارث، فتمّ ذلك من نوفمبر 1942 إلى مارس 1943 بتعبئة 7000 رجل بين عسكريين وعملة مدنيين وحفر 25 كلم من الخنادق المضادة للدّبابات وتهيئة ضفاف وادي زيقزاو وروافده وتثبيت أسلاك شائكة طوال 100 كلم وزرع 100.000 لغم مضاد للدبّابات و70.000 لغم مضاد للأشخاص . وبذلك أصبح خط مارث الدفاعي يمثّل مانعا قويّا خاصة عند فيضان الوادي. اندلعت معركة مارث في مارس 1943 متزامنة مع بداية ضغط جيوش الحلفاء بقيادة الجنرال أندرسون (Anderson)على جيوش المحور التي كان يقودها الجنرال فون أرنيم (Von Arnim) في وسط البلاد التونسية وشمالها وبحرا وجوّا. كان عدد القوات المتحاربة على خطّ مارث يناهز 240.000 رجل، منهم 160.000 من الحلفاء و76.000 من المحور. وكان جيش الحلفاء معزّزا ب 750 دبّابة و700 مدفع ميدان و1000 مدفع مضاد للدبّابات و535 طائرة، بالإضافة إلى بعض القطع البحريّة الحربيّة بينما كان جيش المحور معزّزا ب 150 دبّابة و450 مدفع ميدان و500 مدفع مضاد للدبّابات و123 طائرة، أي بحجم أقلّ عددا وعدّة. اندلعت المعركة يوم 16/3/1943 بهجوم الجيش الثامن البريطاني على خط مارث، على محورين، الأوّل على المنطقة الساحليّة بين البلدة والبحر، والثاني عبر الظهر التونسي في نطاق عملية تطويق . واشتدت المعركة يومي 20 و21 /3/1943 بمحاولة الجيش الثامن البريطاني عبور وادي زيقزاو المحصّن ومواجهة جيش المحور بقيادة الجنرال ميسي ( Messe) الذي قوي على الصمود أسبوعا . إلاّ أنّ نجاح الجيش البريطاني في عمليّة التطويق عبر ممرّ الحامة الطباقة أجبر جيش المحور على الجلاء شمالا يوم 2831943. وبذلك انتهت معركة خطّ مارث الدفاعي، ودخلت التاريخ، فأقيم لها أخيرا متحف عسكري على عين المكان. وثيقة المتحف العسكري لخطّ مارث. – وزارة الدفاع الوطني، تونس 2000. (يتبع)