أما صدام حسين الذي كان يستعد لتجسيد تجربة ديمقراطية جديدة وخوض انتخابات على المستوى الجماهيري لاختيار ممثلي الشعب في المجلس الوطني الذي سوف يبدأ نشاطه البرلماني في عام 1978، فإنه قال أمام عشرات الصحافيين والمراسلين الذين اجتمعوا في بغداد لم يكن في ذهن حزب البعث العربي الاشتراكي آنذاك وحتى اليوم والى المستقبل مع استمرار أطراف الجبهة بالتزاماتهم الصميمية تجاه الثورة. وليس في حسابنا أن نجعل من الجبهة صيغة مؤقتة وعلاقة ليست قائمة على مهام صميمية تاريخية في تحويل المجتمع على الطريق الاشتراكي في بناء المجتمع وبناء علاقاته بناء اشتراكيا وجعل الثورة تواجه مهماتها باقتدار أعلى بمساهمة جميع العراقيين فيها وكونكم تريدون الحقيقة كاملة نقول : إلى جانب هذا لم يكن يخطر في بالنا ولن نسمح لأي طرف كان في الجبهة أو خارجها بأن يجعل من اي نمط من العلاقة بينه وبين الثورة نمطا من نوع الذي يفرض العلاقة بشروط.. ليست هناك شروط ولا تقبل الثورة ان تفرض عليها شروط من اي طرف... وإنما يفترض حسن النية والتعبير عن ذلك بمفردات السلوك اليومي.. فالولاء المطلق للثورة واعتبارها هي الحقيقة النهائية. وليست الحقيقة النهائية المطلقة وإنما الحقيقة المرتبطة بقوانين التطور والمستجيبة لها. وليست الحقيقة المعزولة عن قوانين التطور بما في ذلك ما يجري في العالم.... على هذا الأساس تقوم العلاقات الصميمية بيننا وبين أطراف الجبهة. وتستمر وتزدهر وتتوثق وتتعمق على طريق إنجاز المهام الأساسية للثورة والمضي في البناء بهمة واحدة.. هناك أسس للعلاقة وليس هنالك شروط للعلاقة. لا نقبل بشروط للعلاقة وانما نقبل بأسس للعلاقة. وأمر بديهي أن تكون العلاقة بين طرف أو أكثر قائمة على أسس. ولكن صيغة الشروط مرفوضة في منهجنا وفي تفكيرنا وفي عقليتنا... واذا كان صوته قد بلغ كل الآذان التي تستطيع أن تسمع. وينبغي عليها أن تسمع فلماذا يبقى العقد منفرطا؟ ولا تستعيد العروة الوثقى مرة أخرى مكانها؟ ومن تراه الخاسر في النهاية : الذين يسافرون مع قطار التاريخ أم الذين يحلو لهم الوقوف على أرصفة الانتظار، طويلا يحلمون بالآتي الذي لا يأتي أبدا ؟ كانت هواجس الوحدة الداخلية عبر إرساء جبهة وطنية قوية، تكون قادرة على تنفيذ مهمات الثورة. وكان صدام مسكونا بهاجس الوحدة العربية، لأنه لم يكن العراق قويا إلا إذا كانت حاضنته العربية قوية وموحدة. وقد قدم رؤية واضحة في هذا المجال. حيث يقول « في تصورنا، إن السنوات العشرين القادمة سوف تشهد مراكز قوى ومراكز استقطاب جديدة تؤثر في السياسة الدولية تأثيرا قياديا بالإضافة إلى مركزي الاستقطاب الحاليين. ففي تصورنا سوف تكون الصين مركزا كبيرا للتأثير والاستقطاب وأوروبا التي ستلعب فيها (فرنسا) دورا مهما ستصبح محورا متميزا عن أمريكا في عملية التأثير والاستقطاب. وسيكون لليابان وبخاصة اذا ما قررت أن تدخل مجال الصناعة في بعض الأنواع الاستراتيجية من الأسلحة وعلى نطاق مهم ودولي دور مهم في عملية التكون في جنوب شرقي آسيا. وسيكون الوطن العربي مركز حركة فاعلة للاستقطاب والتأثير أيضا. إن العالم يتكون الآن بأعمدته الرئيسية في السياسة الدولية على نحو جديد...والحركة التي تجري باتجاه تكوين هذه الأعمدة أسرع من الحركة التي سبقتها في السنوات الماضية. فهي تماثل بشكل تقريبي حالة التكون السياسي التي حصلت أثناء انتهاء الحرب العالمية الثانية وبعدها وان اختلفت معها بالكثير من الصيغ وبأنها أكثر حركية منها وأشمل بكثير. لقد كان صدام يقرأ هذه المتغيرات. و كان يريد أن يكون العراق والعرب مساهمين في إنتاجها، لا منتظرين نتائجها، والتي سيكون الوطن العربي في ما بعد مسرحا لكل صراعاتها. ولكن هل كان العرب على نفس الرؤية بعيدة المدى؟ تلك هي المشكلة التي جعلت عراق صدام حسين يكون في خلافات عميقة مع جيرانه العرب. (يتبع)