الشعب(1) يمثّل الشعب التونسي اليوم وحدة وطنية بمكوّناته الاجتماعية والثقافية المنصهرة عبر العصور. ويبدي التونسي اعتزازا بجنسيّته لا يقل عن اعتزازه بأصله كما يبدي اهتماما بكلّ ما يحيي فيه جذوره العرقيّة والعائليّة. من ذلك خاصة شجرة النسب التي يؤكّد بها شيخ القبيلة أوالعائلة انتماء الأفراد إلى وليّ صالح أوإلى بلد عريق أوإلى نسب شريف يرتفع إلى أحد الخلفاء الراشدين فإلى الرسول (ص). والغالب دائما هوالأصل العربي ودين الإسلام. والطريف التنصيص على الهجرة سواء من الجزيرة العربيّة أومن المغرب الأقصى وخاصّة من الساقية الحمراء ! والحال أنّ أكثر الأولياء الصالحين في اعتقاد العامة مغاربة ، لكأنّ بركة هؤلاء من بركة أولئك !ولئن حافظ العنصران التركي والأندلسي على تميّزهما فإنّ ألقاب العائلات تكشف عن عناصر بشريّة عديدة ومختلفة وإن تصاهرت وتآلفت وتثاقفت . ويفسّر التاريخ حضورها بأحداث هامّة كحملة سنان باشا على الإسبان والهجرات الأندلسية خاصة الأخيرة . وكذلك بالنسبة إلى الهلاليين والطرابلسيين والجزائريين وحتّى الأوروبييّن واليهود. ولكنّ الاستيطان البشري في البلاد التونسيّة أقدم من تاريخ العناصر المذكورة بدليل مستوطنات ما قبل التاريخ المكتشفة في قفصة ودكّانة الخطيفة وسيدي الزين ووادي الزوارع وغيرها. غير أنّ البداية الرسميّة في البحوث الأنتروبولوجيّة والإتنية تبدأ مع البربر باعتبارهم أصل سكّان تونس وكامل الشمال الإفريقي بفرعي البتر والبرانس. وتختلف النظريات في أصولهم وهجراتهم قبل استقرارهم، والأرجح أنهم عرب قدامى جاؤوا من اليمن والحجاز. تلك نظرية ابن خلدون المؤكّدة ببحوث جديدة والمفسّرة لسهولة التفاهم في اللغة والدين وحتّى في العادات بين البربر والفاتحين المسلمين رغم بعض المناوشات الحاصلة بين القادة من هؤلاء وأولئك لأسباب سياسية ومذهبيّة وأحيانا شخصيّة كالتي نشبت بين عقبة بن نافع وكسيلة وكفتنة برغواطة وإن استعان الفاطميّون بكتامة وبنوزيري بصنهاجة قبل أن تؤول السلطة إلى أصيلي البلاد الخلّص من المغاربة ذوي الجذور البربريّة مع المرابطين بزعامة يوسف بن تاشفين ومع الموحدّين بزعامة عبد المؤمن بن علي بالنسبة إلى إفريقيّة والمغرب، وحتّى مع أتباعهم الخراسانيين والحفصيين بالنسبة إلى إفريقية وحدها بحدودها المتجاوزة سابقا لحدود تونس اليوم. والملاحظ أنّ اندماج البربر فيمن غزاهم كان أبلغ في الجهات الساحلية والسهول وبلاد الجريد منه في جهات الجنوب والمرتفعات حيث مازالت القرى البربريّة تحافظ على تراثها خاصة بالنسبة إلى قبائل تمازيغ وورغمّة ومطماطة . كان الفينيقيون أوّل الغزاة، فهم الذين أسّسوا قرطاج وجلبوا الزنوج من السودان وبلاد النوبة، وقصدهم بعض اليهود. وتواصل نزوح هؤلاء إلى أن أصبحوا يمثّلون عنصرا هامّا من السكّان. وكان من الطبيعي أن يؤثّر كلّ عنصر في الآخر ويتأثّر به بما ساعد على تطوير الحضارة الفينيقيّة بصبغة قرطاجيّة إفريقيّة ميّزتها عن أصلها الكنعاني في صور. وباستيلاء الرومان على البلاد قدم مهاجرون بل مستعمرون من رومة ساهموا في رومنة الأرياف حتّى في مستوى أسماء الأشخاص من البربر . ومع اقتداء هؤلاء بالغالب في العمارة والتقاليد فضّل بعضهم اليهوديّة على الوثنيّة تأثّرا باليهود الذين أجلاهم تيتوس عن معبدهم ببيت المقدس سنة 70 م بعد أن هدمه. وبذلك فسّر ح.ح. عبد الوهاب وجود بعض اليهود البدوالذين يعيشون ويلبسون مثل البربر الذين اعتنقوا الإسلام في باجة وتستور والسرس والأعراض وجربة ، على ما أثبته ش. منشيكور . كما لاحظ التيجاني في رحلته التي قام بها أوّل ق 8 ه / 14 م أنّ أهل توزر من بقايا الروم الذين كانوا بإفريقية قبل الفتح الإسلامي ، وكذلك أكثر بلاد الجريد، لأنهم حين دخول المسلمين أسلموا على أموالهم ، وفيهم من العرب الذين سكنوها بعد الفتح، وفيهم أيضا من البربر الذين دخلوها في قديم الزمان. وقد كان القادة المسلمون متسامحين مع تلك العناصر المحافظة على معتقداتها وعاداتها مقابل دفع الجزية والانضباط والتمتّع بحقّ الحماية . لذلك أمكن العثور في الجنوب الغربي على بعض خصائص الجنس الإفريقي بين السّكان. ومنذ الفتح العربي توافدت على البلاد أجناس متنوّعة قادمة من مختلف البلدان التي فتحها العرب. من ذلك قبائل يمنيّة وحجازيّة وشاميّة شاركت في نشر الإسلام. وعلى سبيل المثال فقد استقرّت بباجة قبائل بني سعد وقريش وربيعة وقضاعة إلى جانب الجند العبّاسي والطائفة المسيحيّة التي ظلّت محتفظة بكنيستها إلى زمن البكري ( ق 5 ه / 11 م ) وإلى جانب أصيلي المكان المحتفظين إلى اليوم باسم الأفارق .وقد ذكر البكري في شأن الغزوة الخامسة التي قادها حسّان بن النعمان الغسّاني سنة 76 ه / 695 م أنّ عبد الملك بن مروان كتب إلى أخيه عبد العزيز، والي مصر، أن يوجّه إلى معسكر تونس ألف قبطي بأهاليهم وأولادهم ، وأن يحملهم من مصر ويحسن عونهم حتى يصلوا إلى ترشيش ، وهي تونس . وكتب ابن النعمان يأمره أن يبني لهم دار صناعة تكون قوّة وعدّة للمسلمين. فتمّ توزيعهم على تونس ورادس وقرطاج. وتواصل توافد العرب والفرس والمصريين والشاميين على إفريقيّة في مناسبات أخرى لأعمارها بالمسلمين ، لكنّ البربر قاوموهم حتّى هجروا قراهم فاضطرّ موسى بن نصير إلى جلب عدد آخر من العرب المشارقة سنة 88 ه ، على ما ذكره ابن الشبّاط.ومن تلك القرى المحيطة بالعاصمة - القيروان آنذاك - الأنصارين نسبة إلى الأنصار وشراحيل أصيلة اليمن. يتبع