الشعب (2) أمّا في عهد الدولة الفاطميّة فإنّ أمراءها الشيعة لم يشجّعوا هجرة القبائل العربية إلى إفريقيّة خوفا على مذهبهم الذي وجدوا البربر أحسن تقبّلا له من العرب. والحقّ أنّ ذلك لم يكن لسبب متعلّق بجوهر المعتقد ، إنّما كان ردّ فعل على سياسة القادة العرب من الولاة وأمراء بني الأغلب تجاه البربر ، تلك السياسة التي لم يكن حسن المعاملة مبدأها الدائم. وفي عهد الدولة الصنهاجيّة كان أغلب أمّهات أمرائها مسيحيات. وهذا يدلّ على عدد المسيحيين القادمين على إفريقية من الشرق والغرب. وقد انعكس حضورهم على شعر تميم بن المعزّ ، الأمير الصنهاجي. وكانت حاضنة جدّه باديس مسيحيّة. وكان ابن أخيها بالمهدية مثلها. أمّا اليهود فقد تضاعف عددهم حتّى أصبح لهم بالقيروان حيّ خاص يعرف بحارة خيبر. و»حارة» تعني في العبريّة الحيّ. وليس من الضروري أن يكونوا أصيلي قريتهم شمالي المدينة المنوّرة بعد تعميم صفة خيبري على جميع اليهود في البلاد الإسلامية. وستكون لهم حارات في تونس وغيرها من مستقرّاتهم. وقد نبغت من يهود القيروان عائلة العزار التي امتهنت الطبّ وترجمة المصنّفات فيه، بينما اختصّوا في المدن الأخرى بالتجارة، وخاصة تجارة المصوغ والقماش.ومن أهمّ الأحداث التي شهدها العهد الصنهاجي نزوح قرابة الثلاثين ألف مسلم من صقليّة إلى تونس بعد استيلاء النرمان عليها سنة 484 ه / 1091 م. وقد فضّل أغلبهم قرى الساحل قرب المنستير والمهديّة عاصمة الدولة آنذاك. ومنهم من حمل أخلافه لقب الصقلّي نسبة إلى صقليّة إطلاقا أو المازري نسبة إلى مازرة تخصيصا. وكان يمكن لأولئك أن يساهموا في ازدهار تلك الربوع لولا زحف بني هلال الذين أرسلهم من صعيد مصر الخليفة الفاطمي المستنصر انتقاما من المعزّ بن باديس بسبب إعلان استقلاله عن الفاطميين. فكان انتشارهم في البلاد سنة 449 ه / 1057 م قضاء على العمران وعلى العلم، بل على الأمن، وتغييرا في اللغة والثقافة والتقاليد خصوصا في المناطق الخصبة التي احتلّوها. فكان أولاد سعيد في النفيضة وأولاد رياح في الفحص وبوعرادة وأولاد دريد في باجة. وقد شنّع ابن خلدون بعيثهم في البلاد بقدر ما أشاد بلغتهم وبلاغتهم وأشعارهم وإن أخلّت بالإعراب. وإنّما ذاك هو الأصل في كلام العرب العدنانيين بالحجاز ونجد وتهامة مواطن عرب هلال وسليم الأصليّة قبل هجرتهم إلى الصعيد شرقيّ النيل. وما زالت مضاربهم قرب صعدة في اليمن معروفة بنسبتها إليهم. وقد تمكّن بعضهم من المساهمة في تأسيس دويلات إقطاعيّة على غرار ملوك الطوائف بالأندلس، منهم بنو جامع في قابس وبنو جبارة في سوسة وبنو الرند في قفصة وبنو الورد اللّخميّون في بنزرت. وعلى سبيل المثال فقد أثبت محمّد المرزوقي – في إطار تتبّعه لمنازل الهلاليين في الشمال الإفريقي - فروعهم المتمركزة بجهة مجاز الباب ، وهي من دريد : أولاد جوين وأولاد عرفة وأولاد منّاع وأولاد رزق ، ومن رياح : الصميديّة والدعاجة وأولاد الأمير وأولاد الحاج والخرايصيّة والعبادليّة والحمايديّة والمساعيد وأولاد سيدي عبد النور. وفي جهة الكاف أولاد يعقوب ، وهم بنو وائل وأولاد المهدي والشباريّة. ومن دريد أولاد خليفة وأولاد حربي وأولاد خالد وأولاد عبّاس وأولاد فتوح وأولاد قاسم وأولاد ميمون وأولاد موسى. وبقيام الموحّدين تحوّلت العاصمة إلى تونس فأصبحت قبلة المهاجرين خاصة في عهد أخلافهم الحفصيين نتيجة معاهدات السلم والتجارة التي أبرموها مع الملوك الأوروبيين ونتيجة القرصنة ، فضلا عن كون أغلب الأمراء الحفصيين من أمّهات مسيحيات. وفي تونس اليوم باب العلوج وحومة العلوج الدّالّان على العبيد البيض المسيحيين الذين تضاعف عددهم مدّة الاحتلال الإسباني (1535 – 1574م) بمن وقعوا في أيدي الأتراك عندما هبّوا لتحرير المهدية وبنزرتوتونس وحلق الوادي.وقد أشار ابن أبي دينار إلى أكثر من مائتي إسباني ، تحصّنوا بحصن جزيرة شكلي ببحيرة تونس، وطلبوا من سنان باشا الأمان مقابل خدمتهم الباب العالي بما برعوا فيه من عمل الطوب وتذويب الحديد والنحاس وصنع المدافع وغير ذلك. (يتبع)