بعد الاعلان قائمة المتنافسين على منصب رئيس الجمهورية، يستعد المترشحون لخوض حملاتهم الانتخابية على قاعدة برامج ستقدم للناخبين، فهل أن اقتراع الناخب محدد بطبيعة البرنامج أم أن لاختيار المرشح محددات آخرى؟ تونس «الشروق»: وعلى المستوى النظري، وأسوة بالنماذج الديمقراطية العريقة، يكون البرنامج الانتخابي وقدرة المترشح على تنفيذه محددا رئيسيا في رسم حظوظ الفوز بالانتخابات قبل اجراءها، غير أن العودة الى الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2014 تحيل الى قراءات عكسية تبرز غياب البرنامج أو قصوره وأحيانا عدم التركيز عليه في عملية استقطاب الناخبين، فماهي محددات الناخبين في اختيار رئيسهم القادم؟ تحتاج الاجابة عن هذه المسألة دراسة سوسيولوجية لسلوك الناخب التونسي للاجابة بدقة عن المحددات الرئيسية للناخبين في عملية اختيارهم لمرشح دون سواه، وتحيل التجارب الانتخابية السابقة والتي جرت خلال فترة الانتقال الديمقراطي في تونس الى وجود جملة من المحددات التي تفصل بين مكونات الجسم الانتخابي. محددّات مختلفة فالجسم الانتخابي غير متجانس ومحكوم بجملة من المحددات، فمنهم من هو شديد الاهتمام بالبرامج الانتخابية، ومنهم من هو محكوم بانضباط حزبي وفكري وعقائدي، وبينهم من هو موجود في منظقة ضبابية بين الانتهازية والتردد وعرضة لمختلف المؤثرات، كما يوجد ايضا ناخبين محكومين بمحددات جهوية ومحلية وقبلية. ويرى المختص في علم الاجتماع الطيب الطويلي في هذا السياق أن محددات اختيار الرئيس لدى التونسي تختلف باختلاف انتمائه الايديولوجي، ومستواه الثقافي والاجتماعي لافتا الى أن غالبية التونسيين لا ينتخبون من اجل برنامج سياسي متكامل بل يميل بعضهم الى الوعود الاقتصادية والاجتماعية التي من شأنها ان تقذف شيئا من الامل في تحسين وضعيته. رئيس يشبههم كما يلاحظ المتحدث، أن غالبية التونسيين يميلون ايضا الى اختيار رئيس يشبههم ويتماهى مع مشكلاتهم البسيطة، وهو ما يفسر اعتماد عدد من المترشحين على الشعبوية المفرطة، لافتا الى أن هذا العامل لا يقلل من أهمية الكاريزما التي يعتبر توفرها في المترشح أحد شروط الاختيار. كما تبرز نوعية الاستقطاب وشخصية المترشحين محددا مهما في عملية الاختيار لدى المواطنين، وفي هذا السياق، يستبعد العضو السابق لهيئة الانتخابات سامي بن سلامة حيازة البرامج الانتخابية لاهتمام الناخبين في الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها. واعتبر بن سلامة أنّ خصوصية الانتخابات الرئاسية عن غيرها من باقي الاستحقاقات الانتخابية كونها تجعل من كل ارجاء الجمهورية دائرة انتخابية واحدة، وهو الامر الذي يرجح فيه ان تلعب شخصية المرشح دورا كبيرا في تحديد اختيار الناخبين. هوية المترشح وتوجهاته فعوضا عن البرامج، يرى المتحدث ان الناخبين سيصوتون حسب توجهات المرشح وانتماءاته السياسية وهويته، إضافة إلى صيته الشخصي مع بعض الاعتبارات الاخرى كالانتماء الجهوي والقبلي... إضافة إلى نوعية الاستقطاب الذي سيكون معيارا حاسما خاصة في الدور الثاني. ومن العناصر الاخرى المؤثرة في خيارات الناخبين، مسألة الصور النمطية و«الكليشيات» التي تترسخ في ذهن الناخبين بالمراكمة جراء تأثيرات مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، والاجندات التي يعمل على تكوينها عدد من المترشحين عبر وسائط مختلفة. وفي هذا السياق يرى الطيب الطويلي أن عددا من الناخبين يبررون خياراتهم بانطباعات قيمية هي في الغالب نتاج توجيهات مدروسة من المترشحين انفسهم حيث تتفرع عن هذه المحددات المعيارية القيمية سمات منها وصف المترشح بأنه «نظيف اليد» أو «يخاف الله» او «وطني» وغيرها من الاحكام. وبتعدد محددات اختيار المترشح لدى الناخبين، يتوقع ان تكون الانتخابات الرئاسية مفتوحة على احتمالات عديدة، وفي هذا السياق يضيف سامي بن سلامة ان الاستحقاق الرئاسي سيكون مفتوحا لكن بين المرشحين الأقوياء سيما وان اختيار الناخب سيخضع أيضا لاعتبارات فوق انتخابية ومنها الخشية من تدفق المال السياسي وتوظيف اجهزة الدولة ودور العبادة. في المحصلة، ولئن تعددت محددات اختيار الناخبين لمرشحهم فإن حالة التشتت في المشهد السياسي والتي أفرزت وجود 26 متنافسا على منصب رئيس الجمهورية تزيد في ضبابية الاختيار الذي لن تتحدد معالمه بشكل شبه جلي الا بعد انقضاء الدور الاول من الانتخابات الرئاسية. أصناف الناخبين بناء على تعريفات متعددة، وقياسا باستقراء الجسم الانتخابي يمكن تصنيف الناخبين حسب محددات الاختيار الى أصناف كبرى هي: - ناخبون يميلون الى أحزاب السلطة ولا يثقون في قدرة المستقلين على الفعل السياسي. - ناخبون يميلون الى التصويت العقابي، يكون اختيارهم للمرشح بدافع قطع الطريق امام من كان في السلطة، أو لصالح صاحب الخطاب الاقرب الى وجدانهم. - ناخبون محكومون بتوجهات عقائدية وفكرية وانتماءات قبلية وجهوية. - ناخبون في دائرة التردد والانتهازية. - ناخبون في مستوى وعي سياسي متقدم يكون اختيارهم للمترشح مرتبط بالبرامج المقدمة.