الكاف الشروق: يقع حمام ملاق على بعد 12 كلم غرب مدينة الكاف ، و هو ثاني محطة استشفائية بالبلاد التونسية بعد «الخبايات» بحامة قابس، إلا أن غياب التهيئة و الصيانة و انعدام المرافق الضرورية حولته إلى فضاء بلا رواد . وحمام ملاق هو محطة استشفائية لها أبعادها التاريخية والحضارية و العالمية لاحتوائه على طبقة من الطين الأسود تعود إلى بداية العصر الجيولوجي الثالث . تؤكد الدراسات و المقالات المنشورة حول هذه المحطة على أنها تحتوي على مادة " الأوروديوم " التي تثبت نظرية اصطدام الأرض بنيزك ضخم منذ حوالي 60 مليون سنة . و تعرف بمياهها المعدنية التي تبلغ حرارتها 45 درجة ,بها حوالي 7 بالمائة من الأملاح المختلطة بمادة الكبريت بما يساهم في علاج أمراض السكري و أوجاع المفاصل و البدانة و الصدفية و الصفرة بشهادة المرضى الذين تحولوا سابقا إلى هذه المحطة بعد أن استعصت عملية مداواتهم في المستشفيات و المصحات خاصة كبار السن الذين يعانون من أمراض " الروماتيزم " . و هو ما أكده لنا الطاهر العياري بعد أن التقينا معه و هو يستعد للاستحمام ببالوعة من المياه الاستشفائية الملوثة خلف الحمام من جهة وادي ملاق لعدم جاهزية الحمام . تاريخ عريق وقد اقترن تاريخ هذه المحطة الاستشفائية بالاستحمام بالمياه المعدنية منذ الحضارة الرومانية و اليونانية . تم بناء هذا المعلم بجبل ملاق على شرف الإمبراطور الروماني " هاد ريان" عندما زار الجيوش المرابطة بنوميديا ليستحم فيه . كما أن الاستشفاء بالمياه المعدنية معروف لدى الإغريق عند بحثهم عن الاستيطان البشري قرب نقاط المياه الطبيعية لاستنشاق بخارها و شربها و الاستحمام بها لما فيها من فوائد علمية تحمي صحة الإنسان . و قد تم اكتشاف حمام ملاق سنة 1968 حسب ما أفاد به علي المرزوقي (حارس ) بعد أن شملته الحفريات من قبل وفود فرنسية ، و ذلك عندما ظهرت آثار تحمل " رمز الأسد و اللبة " بما ساهم في التوصل إلى اكتشاف الأقواس الرومانية و الدواميس و الأحواض و الشلالات و السواقي و تحويلها إلى محطة استشفائية لأبناء الجهة و زوارها ، إلى أن تم تعبيد الطريق سنة 2008 وسط معاناة في الوصول إلى المحطة بحكم المخاوف التي ترافق الزوار في المسلك الجبلي من الكردمي إلى المحطة التي تقع على مستوى وادي ملاق . موارد رزق فقدت فتحي الشارني بين أنه و رغم رهان أحد المستثمرين على بعث إقامة سياحية قرب الحمام و فتح بعض المحلات من قبل أبناء الجهة لتعاطي أنشطة تجارية متواضعة و توفير 9 شقق للكراء تزامنا مع تعدد الزيارات من داخل تونس و خارجها للمحطة و الإقامة بها لمدة طويلة إلا أن غياب المرافق الضرورية المتعلقة بالتنوير الكهربائي بجهة ملاق و غياب الماء الصالح للشرب و صعوبات التنقل ساهم في نزوح كل العائلات التي كانت تسكن قرب الحمام و توفر قوتها من المنطقة الجبلية المتاخمة له لتضاعف المعاناة أثناء العمليات الإرهابية سيما مداهمة الحمام في 2004 و افتكاك المؤونة التي تتمثل في مواد غذائية كانت توفر منها إحدى العائلات قوتها عند قدوم العائلات للاستحمام . من جهته أضاف الحسين مقدم أن جهة ملاق منسية من قبل كل الحكومات التي تعاقبت على تونس منذ الاستقلال ، يعيش سكانها تحت خط الفقر حتى أن مدرسة المكان مفتوحة من أجل 8 تلاميذ و 03 معلمين يعانون جميعا من غياب طريق و وسيلة نقل تقلهم لعملهم في الإبان بما أثر سلبا على استقرار أهالي الجهة و جعلهم يفرطون في أراضيهم و مواشيهم و يتحولون إلى مدينة الكاف . أما من تشبثوا بالبقاء في المنطقة من دوار الشعابنية فإنهم يشربون من مياه " وادي عنق" وسط معاناة في تنقلهم لمدينة الكاف لقضاء حاجياتهم و تعليم أبنائهم . و بناء على الامتداد الجغرافي لمشروع "سد وادي ملاق العلوي" الذي تتواصل أشغاله من قبل فريق عمل صيني ، فإن أهالي ملاق يعبرون عن يأسهم من إعادة نشاط حمام ملاق و ذلك بعد أن تم انتزاع أراضي بعض سكان الجهة و تم تعويضهم في أماكن أخرى لامتداد الرقعة الترابية للسد بما في ذلك الحمام ، و هو ما يمكن أن يؤدي إلى نزوح كافة أهالي المنطقة . بما يؤكد أن تعطل نشاط حمام ملاق منذ سنتين و التعلل بالمخاطر التي تهدد المستحمين من الرجال في انتظار انطلاق أشغال التهيئة و عودة الروح للمكان هي مجرد وعود كاذبة لا أساس لها من الصحة ، لأن عودة نشاط الحمام يتطلب دراسة كاملة تقدر كلفتها بالمليارات لا تقديم وعود بتهيئة حمام بمبلغ جملي قدره 30 ألف دينار . معتمد الكاف الغربية يوضح من جهته بين الحسين بن حمودة معتمد الكاف الغربية أن منطقة ملاق و خاصة المحطة الاستشفائية هي رصيد حضاري و تنموي و سياحي و صحي بالبلاد التونسية لا يمكن أن يتأثر بمشروع السد . و قد تم فعلا تخصيص مبلغ قدره 30 ألف دينار لتهيئة حمام الرجال بعد أن أصبح يشكل خطرا على حياة المستحمين و إيقاف نشاط المحطة بطرق قانونية و سحب المفتاح من الحارس و زوجته المشرفة على نشاط المحطة و ذلك في انتظار انطلاق أشغال تهيئة سقف الحمام و بعض الشقوق مع تهيئة مجموعتين صحيتين و ذلك بعد استكمال الشروط القانونية لتحديد مقاول الأشغال . هذا في المرحلة الأولى أما على مستوى ثاني فقد تم تخصيص مبلغ جملي قدره 200 ألف دينار بالتعاون مع إحدى الجمعيات و مستثمر من أبناء الجهة لعودة نشاط الوحدة السياحية و بعث نقطة تجارية مع توفير إقامات عصرية تستجيب لحاجيات الزوار . فيما سيتم لاحقا تنفيذ مشروع كامل و متكامل يهم منطقة ملاق بمبلغ جملي قدره 2 مليون دينار و 500 لتهيئة الطريق و توسيعها مع توفير الإنارة و الماء الصالح للشراب و ذلك بعد أن تم إسناد التراخيص اللازمة من قبل وزارة التنمية لإنجاز هذه المشاريع بمنطقة حمام ملاق من ولاية الكاف .