ببعض الاختصار والاختزال تقدّم هذه « الدائرة « للقارئ المبتدئ والباحث المتوسّع المعلومات الأساسية والمراجع الضرورية عن مختلف المواضيع والمجالات الممثّلة للحضارة التونسية عبر تطورها مرتّبة ألفبائيا، لغاية التسهيل والتقريب. وقد استثنينا المدائن التي خصصناها بعدّة مؤلفات متوّجة ب «موسوعة مدن تونس» مثلما استثنينا الأعلام الذين جمعناهم في «معلمة أعلام تونس» والألقاب التي وثّقناها في «الأصل والفصل / معجم ألقاب التونسيّين». وأردناها، في غير ذلك، جامعة - دون ادّعاء الإلمام الكلّي والشمول التّام - اقتناعا منّا بالجدوى العمليّة والإفادة السريعة على صورتها هذه، واعترافا بالعجز والتقصير لو رمنا الإحاطة بكلّ شيء، وهو أمر مستحيل مهما أوتينا من الوقت والجهد . الفتح (2) وفي سنة 73 ه قدم حسّان بن النعمان من قبل عبد الملك بن مروان ( ابن عبد الحكم : 269). وبعد حروب هزم الكاهنة زوجة شيخ قبيلة جراوة من البتر في واقعة سمّيت ببئر الكاهنة، وذلك سنة 76 ه بفضل خالد بن يزيد الذي كانت الكاهنة استبقته ممّن أطلقت سراحهم عندما انتصرت على حسّان بن النعمان في معركة مسكيانة . وبذلك استتبّ لحسّان الأمر، فدوّن الدواوين ووضع الخراج على عجم إفريقية ونصارى البربر، وأنشأ ميناء تونس ودارا لصناعة السفن لتعزيز الأسطول الإفريقي أمام أسطول البيزنطيين، وحطّم قرطاج عاصمة الحكم البيزنطي بالمقاطعة الإفريقية . وبذلك تمّ فتح إفريقيّة، وتواصل فتح المغرب سنة 86 ه فالأندلس سنة 93 ه على يد موسى بن نصير وقائده طارق بن زياد . يبدو إذا أنّ نيّة فتح إفريقيّة لم تتبلور في أوّل الأمر، كأنّ قادة المسلمين فضّلوا أن يدعموا الإسلام في البلدان المفتوحة على مواصلة نشره. ولم تكن المحاولات الأولى لفتح إفريقية منظّمة، بل كانت مجرّد غزوات، لا تتغلغل في ترابها، وسرعان ما يعود البربر على إثرها إلى دياناتهم، لأنّ غاية هذه المحاولات لم تكن فيما يبدو نشر الإسلام بقدر ما كانت إثراء خزينة الخلافة بالمال الوارد عن طريق الجزية والخراج. ولذلك لم يستقرّ أصحاب هذه المحاولات في إفريقيّة، بل كانوا يغزون ويغنمون، ثمّ يعودون إلى مصر. ولكنّها، رغم ذلك، كانت بمثابة الإرهاصات وجسّ النبض تمهيدا للفتح الحقيقي الذي وطّده عقبة بسياسة الشدّة وأبو المهاجر بسياسة اللين، واستكمله حسان بن النعمان . فجاء إسلام إفريقية النهائي نتيجة لكلّ تلك المحاولات السابقة إلى جانب ظروف ومعطيات خاصة بإفريقية، منها ما ساعد على انتشار الإسلام بها، ومنها ما عرقل سعيه إليها . فممّا ساعد على ذلك محاولات الإغراء والتشجيع المادي والمعنوي بالنسبة إلى جيوش الفاتحين، وتمثلت في تقاسم الغنائم والسبي ماديّا، وفي الأجر والثواب والتقديس معنويّا، خاصة بالنسبة إلى عقبة .وقابل ذلك من جانب البربر طمعهم في المناصب والجاه بالدخول في الإسلام إلى حدّ جعلهم يبدلون أنسابهم البربريّة بأنساب عربية، بكلّ أمل وفخر . وقد كان البرانس من البربر أكثر إقبالا على الإسلام واندماجا مع العرب باعتبار أنّ سكّان المدن أكثر من البدو قابليّة للتأثر والتمدّن . فنشأ جيل المولّدين من آباء عرب وأمّهات بربريّات، وكان عاملا ساعد الإسلام على الانتشار، إلى جانب خشية البربر من الموت، ورغبتهم في عدم دفع الجزية . هذا فضلا عمّا أشار إليه ابن خلدون من أنّ المغلوب مولع بتقليد الغالب، ومن أنّ البربر يشبهون العرب في حياة البداوة. والمتأمل في أحوال البربر وعلاقتهم بالسلطة البيزنطيّة قبل الفتح يجد دافعا جديدا جعلهم يقبلون على الإسلام اختيارا لأخف الضررين. فلقد اتّسم الحكم البيزنطي بمعاملة البربر معاملة قاسية جائرة بفرض الضرائب وعزلهم عن الإدارة ومنعهم من ممارسة حقوقهم السياسية وعدم تعليمهم، إلى جانب الفارق الحضاري واللغوي بين اللاّتينيّة لغة الإدارة وبين اللهجات البربريّة. بل كان البيزنطيون يستغلّون ما تنتجه أيدي البربر . ولقد كان قسطنطين يرغمهم على أن يؤدّوا إليه مثل ما يؤدّونه إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فإذا بهم يعتنقون الدين الجديد بعد أن علموا مدى بساطته المناسبة لسذاجتهم، إذ يكفي أن ينطق البربري بالشهادة ليغفر الله له ما تقدّم من ذنوبه، على قول الفاتحين وصحابتهم للسائلين من البربر عن هذا الدين . كما وجد هؤلاء في الإسلام العدالة المنشودة والمساواة مع جميع العباد، إذ لا فرق بين عربي وأعجمي إلاّ بالتقوى (حديث). ووجدوا فيه غذاء روحيّا مفيدا أنقذ عقلاءهم ممّا كانوا يتخبّطون فيه من الحيرة رغم وجود أشباه ديانات وثنيّة إلى جانب المسيحية المحدودة.ومن هذه الدوافع العديدة ما سلكه بعض الفاتحين والولاة في إفريقية من سياسة الترغيب. فأبو المهاجر دينار قد تمكن من جلب عواطف البربر نحوه بفضل لينه في معاملتهم واحترامه لهم . ولذلك أساء عزل عقبة. (يتبع)