يبدو أنّ عدد سكّان مدينة تونس قبل الفتح الإسلامي كان منخفضا، لا يتجاوز 300 ساكن. إلّا أنّه زاد انخفاضا إثر تسلّم حسّان بن النّعمان هذه المدينة، إذ أنّ عددا من الرّوم قد هربوا منها ليلا إلى الأندلس وجزر البحر الأبيض المتوسّط. فركّز بها حسّان بن النّعمان «طائفة من المسلمين» المرابطين. هؤلاء الّذين تمّ قتلهم وأسرهم خلال غارة الرّوم على المدينة. دفعت هذه الحادثة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (6686/685705) إلى إرسال عدد هامّ من القبط المسيحيين من مصر إلى مدينة تونس، ربّما بلغ الألف، قصد بناء السّفن بدار الصّناعة، كما كلّف البربر بجرّ الخشب لصنع السّفن. إلى جانب ذلك، يبدو أنّ حسّان بن النّعمان، إثر حملته الثّانيّة على قرطاجنّة، أَمَر سكّان هذه المدينة، وهم أساسا من المسيحيين، بالانتقال إلى مدينة تونس، قصد تعميرها. وبذلك نستنتج أنّ المسلمين سعوا منذ فترة الفتح إلى جعل مدينة تونس مركزا استيطانيّا مهمّا، وذلك بجلب عناصر بشريّة مختلفة إليه، مثل القبط، والعرب، إلى جانب الرّوم والبربر. أمّا بالنّسبة إلى الرّوم البيزنطيين، الّذين نُقلوا أساسا من قرطاجنّة إلى تونس، والّذين تضاءل عددُهم على المدى الطّويل، فقد كانوا يهتمّون بالتّجارة، كما كانوا يشتغلون في الإدارة، نظرا لدرايتهم بالشّؤون الإداريّة. وربّما كانوا يمتلكون بعض الأراضي الفلاحيّة بالمنطقة الخلفيّة لمدينة تونس، ويدفعون عليها الخراج؛ بينما كانت فيما يبدو الأنشطة الأخرى مثل الصّناعة والصّيد البحري، من اختصاص الأفارقة، وهم البربر المتحضّرون الّذين دخلوا الإسلام، وتكلّموا العربيّة بسرعة، كما كانوا «ترومنوا» في العهد الرّوماني، أي أنّهم كانوا تنصّروا وتكلّموا اللاتينيّة. سمح هذا الأمر لهم، ولغيرهم من العجم والعبيد بالارتقاء الاجتماعي. فأبو حبيب نصر الرّومي التّونسيّ (ت. 332/943) كان مملوكا أعتقه سيّده نظرا لتبحّره في العلوم الفقهيّة، بعد الرّحلة العلميّة الّتي قام بها بمصر، فأصبح «معظّما» بمدينة تونس. أمّا أبو جعفر أحمد بن موسى التّمّار (ت. 329/940)، فقد كان من قبط تونس، وتتلمذ ليحيى بن عمر (ت. 289/901)، «فأصبح فقيها عالما، يُحسن النّحو والعربيّة»، وقد «سَمعَ منه عالَمٌ كثير». هذه الأمثلة تقدّم دليلا على النّجاح في الارتقاء الاجتماعي، وهو ما يستلزم التّحوّل إلى الإسلام. وقد لاحظ ه. ر. إدريس أنّ أقباط تونس دخلوا في الإسلام، أو على الأقلّ جلّهم؛ بل إنّ بعضهم انتهى بالانتساب إلى العرب، فأصبح مثلا محمّد بن أبي زاهر (ت. حوالي 316/928)، القبطي الأصل، مولى لقريش. أمّا النّشاط العسكري، فقد كان من اختصاص العرب في العهد الأموي، هؤلاء الّذين ارتفع عددهم كثيرا بمدينة تونس، نظرا لأهمّيّة النّشاط العسكري بها، على الأقلّ في عهد الولاة. وقد فسّر الرّقيق القيرواني مناظرة هذه المدينة للقيروان «بكثرة العرب والجّند الّذين كانوا فيها يتبع