مثلت غالا لغزا كبيرا في حياة السرياليين الذين عشقوا فيها صورة المرأة المثقفة والمتحررة والذكية، الشاعر الفرنسي والرسام الإسباني أشهر عشاقها ولكنّها حظيت بالحبّ والإعجاب من عشرات الكتاب والمثقفين ولكن ترى هل أحبّت غالا الشاعر والرسام في وقت واحد وقسمت بينهما قلبها بالتساوي سؤال غريب ونحن نقرأ رسائلها بينها وبين الشاعر وهي في الوقت نفسه متزوجة بسلفادور …؟ لم تكن مجرد امرأة كغيرها من النساء، امرأة تنسى بعد ليلة أو سنة أو امرأة تعوّضها امرأة أخرى أو امرأة تنسى بصفّ طويل من العشيقات سمراوات أو شقروات. إنّها غالا المرأة التي لم ينسها بول إيلوار بعد أن فارقته والمرأة التي عشقها سلفادور دالي إلى آخر يوم في حياته، غالا تلك المشتهاة في قصائد إيلوار واللمسة الخفيّة في لوحات دالي، إنّها امرأة مختلفة جدّا امرأة لا يمكن أن تنسى بسهولة وهي التي حفرت في قلب إيلوار حزنا غائرا، وفرحا مضيئا في قلب سلفادور دالي. امرأة أهدت المشاعر لمن تنقصه، الحزن لإيلوار الذي لم يعرفه قبل أن ترحل غالا والحبّ الذي لم يعشه سلفادور دالي قبل أن تظهر غالا في حياته ويخطفها من زوجها ، إنّها المرأة الخالدة حسب ما وصفها اندريه بروتون في كتابه المشترك مع إيلوار "الحبل بلا دنس ". غالا ودالي والمعروف أن دالى توفى عام 1989 عن 84 عاما، ويعد واحدا من أشهر فنانى المدرسة السريالية فى القرن العشرين. لا نعرف بالتحديد عدد النساء فى حياة سلفادور دالى الذى كان معروفا بخجله فى مرحلة طفولته وشبابه،لكن الجميع يعرف حكايته مع "غالا". وغالا اسمها الحقيقى هيلينا ديمتريفنا وهى شخصية غريبة لا تقل غرابة عن سلفادور دالى، فقد كانت إلى جانب كونها زوجة الشاعر بول إيلوار عشيقة عديد من الفنانين ورواد السريالية، على سبيل العد لا الحصر رينييه شار، كريفييل، مارك ارنست واندريه برتون. وفى مذكراته يحكى "دالى" عن ذلك اليوم الصيفى من شهر أوت 1929، الذى التقى فيه غالا لأول مرة يقول، كان يبلغ من العمر حينها خمس وعشرين سنة، وكان وقتها قد عاد من باريس إلى كاداكيس فى عطلة الصيف، وحضر مجموعة من أصدقاء دالى لقضاء عطلة الصيف معه ومنهم لويس بونويل والفنان رينيه ماجريت والشاعر بول إيلوار مع زوجته غالا وابنتهما سيسى. يقول الأصدقاء إن "غالا" لم تكن جميلة بالشكل الكافى، وأن عيناها تصبحان مثل عينى الفأرة عندما تغضب. وعندما رأت "غالا" الحب فى عينيى سلفادور دالى قالت له، وكانا على شاطئ البحر، لا تخف يا صغيري.. لن نفترق أبدا. ولدت فى أوت 1894 فى مدينة كازان التابعة لروسيا القيصرية، كانت تكبر دالى بعشر سنوات، وعندما كانت فى الثامنة عشرة من عمرها بعثها والداها إلى مصحة فى سويسرا للعلاج من مرض السل. كان الحب بالنسبة ل "غالا" شيئا مختلفا فقد تزوجت من "إيلوار" وهى فى ال 23 من عمرها وفيما بعد عاشت مئات من قصص الحب. وفى كلام منسوب إلى الكاتب يان جيبسن عن غالا ودالى ورفاقهم "إنهم كانوا سرياليين، كانوا يريدون أن يعيشوا بحرية، وما كانوا يعترفون بالزواج، كانوا يعيشون على هوى رغباتهم، فمثلاً غالا لم تقتصر العيش مع دالى وحده، فقد كانت علاقتها مستمرة مع زوجها إيلوار، ولاحقاً كانت تملك من العشاق ما يملأ دفتراً كاملاً، هذه المرأة كانت تمتلك نظرة متحررة، كانت باستطاعتها ممارسة الجنس بحضور أشخاص آخرين، كثيراً ما كانت تصطحب أحدهم إلى زاوية ما فى اجتماعات السرياليين لممارسة الجنس معه." كان أثر غالا على دالى كبيرا إلى الحد الذى جعله يوقع بعضا من لوحاته باسميهما معاً كما جعلها موضوعا لبعض لوحاته وأشهرها لوحة "صعود العذراء" حين اختار سيلفادور دالى ملامح وجه غالا لتمثل وجه السيدة العذراء. الحب والعبقرية ظلت غالا 48 عاماً فى حياة سلفادور دالى وهو يعتبرها "الوحى" الذى يمنحه العبقرية، كما كان رحيلها هو الفكرة الأصعب والأقسى حيث عاش بعدها حزينا ما جعل الأوجاع تتمكن من روحه الجريحة حتى أصيب بالشلل الرعاش فخذلته يداه وسقطت الريشة فى عام 1983 بعد أن رسمت بيد دالى اللوحة الأخيرة "ذيل السنونو". ويعد الفنان التشكيلى الإسبانى الشهير سلفادور دالى من أهم فنانى القرن العشرين، وهو أحد أعلام المدرسة السريالية، والذى يتميز بأعماله الفنية التى تصدم المُشاهد بموضوعها وتشكيلاتها وغرابتها، وكذلك بشخصيته وتعليقاته وكتاباته غير المألوفة والتى تصل حد اللامعقول والاضطراب النفسى. وفى حياة "دالى" وفنه، يختلط الجنون بالعبقرية، لكن دالى يبقى مختلفاً واستثنائياً، فى فوضاه، فى إبداعه، فى جنون عظمته، وفى نرجسيته الشديدة. ومن بين تلك القصص التى توضح الجنون وغرابة شخصية دالى، قصة ارتباطه بزوجته الروسية إيلينا ديماكونوفا والمعروفة باسم غالا والبعض يسميها "جالا"، وبحسب ما يذكره كتاب "مدارس التصوير الزيتى" للدكتور أسامة الفقى، فإن "دالى" وقع فى غرام "جالا" أثناء إقامته فى منتجع كاداكويز بشمال شرق إسبانيا عام 1929، حيث زاره صديقه الشاعر السريالى بول إلوار وزوجته آنذاك غالا، لكن ما إن وقعت عينى سلفادور دالى على زوجة صديقه حتى وقع فى حبها رغم أنها كانت حينها تكبره بعشرة سنوات. الحب والجنون وحاول دالى أن يستميلها بطريقته الخاصة فارتدى قميصا قص أطرافه ولطخه بغراء السمك وروث الماعز وارتدى سروالا مقلوبا وحلق شعر إبطيه ثم لون إبطيه باللون الأزرق وتقلد قلادة من اللؤلؤ ووضع منقار طائر فى أذنه، لكنه عندما قابلها لم يقو على الكلام، بينما اجتاحته موجة من الضحك الهيستيرى المجنون، ثم انهار تحت قدميها فى هلع ورغبة. ويبدو أن تلك التصرفات دخلت قلب "غالا" فرغم تعجبها من تصرفاته الغريبة، جاءت فى اليوم التالى وأخذته من يده وهدأت من روعه قائله له برفق "خفف عنك يا صغيرى فلن نفترق بعد الآن"، وقررت البقاء مع دالى إلى الأبد رغم أنها كانت زوجة لرجل آخر وأما لطفلة تدعى سيسيل فى الحادية عشرة من عمرها تركتها لأم زوجها لترعاها، وحين علم زوجها بأنها هامت فى حب سلفادور، قرر مرغما العودة إلى باريس تاركا زوجته بجانب دالى. ويصف الدكتور أسامة الفقى حياة "غالا" برفقة سلفادور قائلا: "وبالفعل كانت غالا لدالى صدرا حنونا احتوت نفسه الغريبة الهائجة، وقد استمرت علاقتها بدالى حتى نهاية حياتها، فقد كانت ملهمته الغامضة ومديرة علاقاته العامة والمسؤولة عن تسويق ابتكاراته الفنية". الغريب أنه كما كان دالى سببا فى انفصال جالا عن زوجها، فإنها كانت سببا فى قطيعته مع والده الذى رفض علاقة ابنه بهذه السيدة المتزوجة، إلا أنه تزوج منها مدنيا عام 1934، فيما أعلنا زواجهما الدينى فى عام 1958. لقداستطاعت هذه المرأة أن تروض سلفادور دالي ذلك الرجل الغريب والمكوّن من خلطة عجيبة، رجل نرجسي ومبدع ومجنون ويحبّ المال والشهرة، ترك كلّ هذا وعشق غالا التي أصبحت ملهمته ومعلمته، وتحدّى من أجلها حتى والده الذي رفض هذه العلاقة. !