ما يثير نقاط استفهام حول الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها غياب العنصر الثقافي في برامج المترشحين رغم أهميتها في اعادة تشكيل المواطن التونسي داخل سياق ديمقراطي تعتبر الثقافة فيه قاطرة اجتماعية واقتصادية وسياسية... هذا الغياب اثار حفيظة المثقفين . تونس (الشروق) فيما ينتظر المثقفون والفنانون في تونس تبشيرهم بمخطط ثقافي شامل من قبل المترشحين لرئاسة الجمهورية تطل عليهم برمجة خاوية من كل ثقافة في غياب تام لإستراتيجيات واضحة تهم هذا القطاع رغم حساسيته وأهميته في قيام الدولة الحديثة واستمراريتها. اذ نجد جل المترشحين للرئاسية يخوضون في كل المسائل ويتحدثون عن الإصلاحات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلاقات الخارجية وغيرها من النقاط في غياب تام لأي حديث اوإشارة للإصلاحات الثقافية مما يدعو الى التساؤل هل ان هذا العدد الكبير من المترشحين لم ينتبهوا الى إدراج مخطط او رؤية ثقافية ضمن برامجهم ؟! اوان الثقافة هي عجلة اخيرة بالنسبة اليهم لا مبررة لوجودها في برامجهم ؟! وبين هذا وذاك يرى عدد من المتابعين لهذا الشأن ان لمحدودية صلاحيات رئيس الجمهورية سببا ايضا في تهميش الثقافة. حيث ان الفصول 67 و68 و82 المنظمة لصلاحيات رئيس الجمهورية تؤكد فقط على ان الرئيس ضامن للدستور ومسؤول عن العلاقات الخارجية ومسؤول عن الأمن القومي . لكن هل يمكن ان يكون هذا مبررا لعدم ادراج الثقافة في مخططاتهم المستقبلية ! ورغم ذلك فإن على رئيس الجمهورية ان تكون له رؤية شاملة ومعمقة للثقافة في البلاد بجل قطاعاتها المسرحية والسينمائية والموسيقية والأدبية لأنه يبقى الداعم الرئيسي لها في البلاد ولجل القطاعات الأخرى ... ان تهميش قطاع حيوي كقطاع الثقافة في برامج المترشحين للانتخابات الرئيسية السابقة لأوانها اثار حفيظة واستنكار المثقفين والفنانين الذين رأوا في ذلك استهتارا بركيزة أساسية من ركائز بناء الدولة معتبرين ان نجاح اي دولة في مسارها الديمقراطي مرتبط اساسا بتطور ثقافتها ومشاركة مثقفيها في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ... لكن ما يحصل اليوم في تونس من تناس لهذا القطاع الحيوي وترتيبه في آخر اهتمامات السياسين دفع بعدد من المثقفين والفنانين الى التعبير عن حزنهم بما سيحل بتونس في غياب رئيس يفتقد الى مخطط ثقافي ينهض بالدولة وبشعبها ويجهل مدى اهمية الثقافة في النهوض بالبلاد والعباد . المفكر يوسف الصديق مرشحونا ليسوا بمثقفين... وحزني على تونس كبير لا يمكن ان نطلق اسم مثقف على اي واحد من هؤلاء المترشحين للرئاسية. سابقا كنا نتحدث عن الباجي قائد السبسي وما لديه من مدارس وبورقيبة وماكان يحمل من ثقافات متنوعة في تفسير القرآن وما شابه لكن تبقى هذه الثقافات كلاسيكية وسطحية فهي مرت عليها 60 سنة... اليوم نرى ان المسيرين للبلاد لا يهتمون بالثقافة بل هي آخر همومهم واهتماماتهم. هم لا يعرفون التاريخ ومن هومؤسس الديمقراطية في الغرب وحمورابي ( سادس ملوك بابل ) وبودلار ( شاعر وناقد فني فرنسي ) وغيرهم ... في الغرب يقرؤون ويتعلمون في المدارس القومية للإدارة التاريخ والعلوم السياسية لكن هذا ما نفتقده في تونس ... للأسف ما نلاحظه جل المترشحين لا يعرفون تناسق الجمل ولا معنى التناسق المنطقي لا يملكون الثقافة الدنيا اي ما يعرف "بالاستتباع" مثال احد المترشحين قال " انا عملت انقلاب " ولم يكن واعيا ماذا سيتبع هذا الخطاب ! يقولون أشاء وينطقون بضدها وهذا مايجعل المواطن خارج هذه الحلبات ... حزني كبير على تونس مهما كان رئيسها او رئيس برلمانها ... المسرحي نور الدين الورغي حكامنا لا يقرؤون لذلك تغيب الثقافة عن برامجهم الثقافة مفهوم له قيمته في الأنتروبولوجيا وهي شكل من الأشكال التعبيرية كالمسرح والسينما والشعر والموسيقى . وجدلية العلاقة بين الثقافة والسياسة هامة جدا اذ بها يبنى العقد الاجتماعي الذي تحدث عنه جون جاك رسو، اذ لا سبيل لإنجاح اي ثورة او اي تطور اقتصادي واجتماعي دون الثقافة التي تعتبر في البلدان المتخلفة والدكتاتوريات عجلة خامسة وذلك لامتياز قادتها بالجهل وضيق الأفق ووقوفهم ضد المعرفة وتقويم الاعوجاج ... جل وزرائنا وحكامنا لا يقرؤون ويعتقدون ان محاربة جل الآفات واولاها الإرهاب لا تقاوم الا بالسلاح في حين ان الثقافة هي السلاح الوحيد لمقاومة التطرف ففي البلدان المتقدمة تعتبر وزارة الثقافة وزارة سيادة كوزارة الدفاع والعدل والداخلية ... وغياب وزارة الثقافة في تونس في مجلس الأمن القومي دليل واضح على جهل هذه الدولة وتخلفها وغياب الثقافة في مشاريع الأحزاب وبرامجها لدليل واضح ايضا على ما اقول ، بلادنا تعج بالمفكرين والمثقفين والفنانين في حين انهم مغيبون في كل المنابر التلفزية التي تتحدث عن ازماتنا .. لذلك لابد ان تكون الثقافة مشروع دولة الكاتب صلاح الدين حمادي فاقد الشيء لا يعطيه وهكذا هم المترشحون للرئاسية نبدأ قولنا بالتذكير بالمثل القائل "فاقد الشيء لا يعطيه" والمترشحون في بلادنا من المواقع السياسية كلها نلاحظ دون عنت فقدانهم لأي رؤية ثقافية. وهذا ليس بغريب. اذ أننا لاحظنا في تدخلاتهم وفي خطابهم عموما فقرا واضحا في الفكر المتعلق بإدارة الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي وغير ذلك هم أناس متهافتون على المناصب لا غير، لا يقرؤون وليس لهم زاد معرفي يخول لهم الإدراك بأن مجمل الإصلاحات التي يوهمون الناخبين بأنهم عازمون على إجرائها هذه الإصلاحات لا يدركون كما قلنا انها لن تتم دون ان يرافقها فعل ثقافي جاد يرمي الى اصلاح عقلية التونسي اولا ، كما يهدف الى احياء القيم الإنسانية التي ينبغي ان تكون شائعة في مختلف فئات المجتمع حتى تعود النهضة الحقيقية في مستوى العمل الذي هوركيزة التطور الاقتصادي ... وبعودة الروح الى قيمة العمل تحل المشاكل الاجتماعية بإعطاء شأن لقيم التضامن والتكاتف والإحساس بالغير ويستقر المشهد السياسي بإعلاء قيم التسامح وقبول الآخر وإشاعة العدل والحريات وغير ذلك... وكلما تقدم لا يمكن ان يتحقق دون فعل ثقافي ينسخه ويشيعه، كما بإمكان هذا الفعل الثقافي الجاد ان يساهم في النهوض بحالة التعليم في بلادنا المتردية فعلا ولذلك لا نستغرب من هؤلاء المتهافتين تغييبهم للثقافة في برامجهم وعدم استعانتهم بالمثقفين والكتاب ومنظماتهم. اذ هم يتجاهلون وجودهم باستمرار بينما نراهم بمختلف اطيافهم يهرولون زائرين المقر العام لاتحاد الشغل مقدمين آيات الطاعة أو مستجدين التعاطف. فالذي يهمهم هو القاعدة الانتخابية لاصلاح حال الوطن . إنهم في المحصلة مخاتلون بامتياز ولا نترقب منهم شيئا .... لطفي بوشناق لن ينجح أي مترشح في إنقاذ البلاد في غياب مشروعه الثقافي أنا لا أتصور اي رئيس دولة في العالم العربي في هذه الظروف يتناسى اوينسى المشروع الثقافي. لكن للأسف هذا ما يحدث اليوم في تونس. كل المترشحين تناسوا الثقافة وهي من العناصر المتبقية لنا كعرب لدعم الاقتصاد والسياسة والمجتمع وتلميع الصورة. ان ينسى مترشح لمنصب رئاسة الجمهورية مشروعه الثقافي يعني انه لن ينجح في اي مخطط او برنامج اقتصادي اوسياسي اواجتماعي اوحتى امني ... الثقافة هي الحل وهي من اهم الأسلحة ضد الارهاب والتطرف و اذا ما تخلينا عنها تحل الكارثة ... فالثقافة حل أساسي لجل الأزمات وان تغيب في برامج المترشحين للرئاسية فيا خيبة المسعى ... ألم يلاحظ هؤلاء المترشحون لمنصب رئيس الجمهورية ان أمريكا هذه القوة العظمى في العالم يعتمد اقتصادها في دخله الأول على الثقافة ! لا بد من الاعتراف بقيمة الثقافة فهي الضمان والحل لمجتمعنا التونسي والعربي.