كان فريد الأطرش من تلك الفصيلة من الفنانين التي تملك كبرياء واعتداداً كبيراً بالنفس، ولم يكن من هؤلاء الذين لا تمنعهم موهبتهم من الجلوس على حِجْر السلطة والتمتع بدفئها. والنوع الأخير انتسب إليه فنانون عظماء أمثال محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ.. طبيعة فريد واحترامه لنفسه جعلاه لا يفهم لماذا لا تغنى أم كلثوم من ألحانه، وفى الوقت نفسه لا يجرؤ أن يسألها هذا السؤال. كان مثل كل الملحنين يحلم بأن تشرّفه كوكب الشرق صاحبة الحنجرة الذهبية بالغناء من ألحانه. فى البداية أتاه أن الست لا تغنى من ألحان موسيقيين هم بالأساس مطربون، أي منافسين، لكن تغنى لملحنين لا يغنون أمثال السنباطي والموجي وبليغ والطويل وقبلهم زكريا والقصبجي.. لكن ها هي تكسر القاعدة وتتحول المنافسة بينها وبين عبد الوهاب إلى تعاون فني فى أغنية «إنت عمرى»، فلماذا تتأبى على فريد الأطرش ولا تطلب أن تغنى من ألحانه؟ حكى فريد فى أحد اللقاءات التليفزيونية أنه بعد 1967 قرر أن يتغلب على خجله وصارح كوكب الشرق بأنه أعد لها لحناً.. قصيدة من كلمات بشارة الخورى اسمها «وردة من دمنا». روى فريد أن أم كلثوم استمعت إلى الأغنية وأبدت إعجاباً شديداً باللحن والكلمات، وقال إنها طلبت منه بعض التعديلات فاستجاب وأعاد إليها اللحن فكانت شديدة السعادة به، وانتظر فريد الخطوة التالية، غير أن أم كلثوم بدون أسباب امتنعت عن غناء «وردة من دمنا». كان فريد يروى وهو يتمزق من الألم كيف أنه كفنان ومتذوق للغناء يدرك قيمة أم كلثوم ويتمنى أن تقدم له لحناً عصَر فيه روحه، ولا يدري كيف استجابت لوشايات الذين حذروها من الغناء لفريد وأقنعوها بأن تتخلى عن لحن كانت شديدة الإعجاب به. إن الغم الذي شعر به فريد نتيجة هذا الموقف جعله لا يقدم الاغنية لأحد آخر ولم يغنها هو أيضاً فى أي حفلة، والتسجيل الموجود لهذه الأغنية كان عبارة عن بروفة أخيرة قبل أن يذهب باللحن إلى أم كلثوم ورغم فخامة هذا اللحن فان ام كلثوم رفضته؟؟؟ وردة من دمنا تأليف: الاخطل الصغير ألحان: فريد الأطرش غناء: فريد الاطرش سائل العلياءَ عنا والزمانا هل خفرنا ذمَّةً مُذْ عَرَفَانا المروءاتُ التي عاشت بنا لم تزل تجري سعيراً في دِمانا * * * ضَحِكَ المجدُ لنا لما رآنا بدم الأبطال مصبوغاً لِوانا عرسُ الأحرارِ أن تسقي العِدى أكؤساً حُمراً وأنغاماً حزانى * * * ضجَّت الصحراء تشكو عُرْيَها فكسوناها زئيراً ودُخانا مذ سقيناها العُلا من دمنا أيقنت أنَّ مَعَدّاً قد نمانا انشروا الهولَ وصُبّوا نارَكمْ كيفما شئتم فلن تلقوا جبانا * * * شرفٌ للموتِ أنْ نُطعمه أنفساً جبارة تأبى الهوانا وردةٌ من دمنا (في يده) لو أتى النار بها حالتْ جِنانا يا جهاداً صفّق المجد له لبسَ الغارُ عليه الأرجوانا شرفٌ باهتْ فلسطينُ به وبناءٌ للمعالي لا يُدانى إنَّ جُرحاً سالَ منْ جبهتها لَثَمَتْهُ بخشوعٍ شَفَتانا * * * نحن يا أختُ على العهد الذي قد رضعناه من المهد كِلانا يثربٌ والقدسُ منذُ احتلما كعبتانا وهوى العربِ هوانا * * * قُمْ إلى الأبطالِ نَلمسْ جُرحهمْ لمسةً تسبحُ بالطيبِ يدانا قم نَجُعْ يوماً من العمر لهمْ هَبْهُ صوم الفصح، هبهُ رمضانا إنما الحقُّ الذي ماتوا له حقنا، نمشي إليه أين كانا