في نِطاق اللّعبة السّخيفة بين الجامعة والتلفزة وجدت الجماهير التونسية نفسها أمام خَيارين فإمّا «التضحية» بالمُواجهة الودية للمنتخب أومُشاهدة اللّقاء عبر القناة الإيفوارية المُتاحة على الشّبكتين الفضائية و»العنكبوتية». ولا يُمكن وصف «القهر» الذي شعر به الجمهور وهو يُصارع «الريزو» ويقلّب الفَضائيات بحثا عن القناة الإيفوارية التي كانت صُورتها في تلك اللّحظة أثمن من الذهب والعَاج المشهور في ربوع «أبيدجان» وأحوازها. أسباب تَافهة ما الذي يجعل المُواطن الايفواري يُشاهد مباراة منتخب بلاده أمام تونس على قناته المحلية في الوقت الذي نُحرم فيه نحن من هذا الامتياز وهو حق و»مش مزية»؟ الأسباب التي قدّمتها الجامعة وشريكتها في هذه «القَهرة» كانت مُضحكة بل تَافهة. فقد قذفت الجامعة الكُرة في ملعب التلفزة العُمومية مُؤكدة أنها رفضت الاستجابة للطّلبات المالية للمُنظّمين الذين اشترطوا الحُصول على 75 مليونا للتفويت في حقوق البث (المبلغ تدفعه تلفزتنا بالشّراكة مع نظيرتها الإيفوارية). وقد تنصّلت الجامعة من مسؤولياتها تجاه الجماهير التونسية وسعت على «توريط» القناة الوطنية من خلال التنصيص على «تقصيرها» في الحصول على حقوق النقل وتفريطها في اللقاء بسبب «مُساومتها» على الثمن الذي حَدّده المنظمون وجاء في بيان الجامعة بأن تلفزتنا اقترحت 3 آلاف «أورو» وهو ما أفسد المُفاوضات. ولم تتوقّف الجامعة عند هذا الحدّ بل أنها وجّهت «لكمة» أخرى للمَرفق العمومي من خلال التأكيد على نجاح القناة الإيفوارية في الظفر بحقوق البث لتبدو بذلك التلفزة التونسية في مظهر «العَاجز». وهذا الموقف «البَايخ» للتلفزة يخدم مَصالح الجامعة التي تريد «إذلال» الجمهور والتلفزة لتقبل بشراء «بضاعتها» الكروية «الفاسدة» بالسّعر الذي حدّده وديع الجريء (8.5 مليون دينار للتفريط في منافسات الرابطة الأولى والثانية والكأس وأنشطة المنتخب). «نكتة الموسم» لئن خطّطت الجامعة لتبرئة نفسها عبر حكاية الشروط المالية للمنظمين فإن التلفزة أتحفتنا بدورها بحجة عجيبة وقد تكون «نكتة الموسم». وقد قالت تلفزتنا إن سُوء الأحوال الجوية منع من استقبال الشّارة الدولية والحقيقة أنّنا لسنا من أهل الاختصاص لنُقدّم موقفا قطعيا إزاء هذه المسألة التقنية لكن لغة المنطق تقول إن هذه الرواية مجرّد «كذبة بيضاء» خاصّة أننا شاهدنا اللّقاء على القناة الإيفوارية بصورة عالية الجودة ولم نُلاحظ تقطّعات و»تشويشات» تؤكد وجود اخلالات في «المَصدر» الذي كان من المفروض أن يمنح القناتين التونسية والإيفوارية «المنتوج» نفسه. الطريف أن القناتين الإيفوارية والتونسية من الجيل نفسه (الستينيات). ولا نعتقد أن أصدقاءنا في «أبيدجان» - وهي العاصمة الاقتصادية - يملكون تقنيات وخِبرات تفوق ما هو موجود عندما ونحسب أن الاشكال يكمن في الإرادة لا في الامكانات (للتذكير نشير إلى أن الكرة الإيفوارية استوردت بعض مسؤولينا ومدربينا لقيادة أنديتها وتطوير لعبتها كما حصل مع فريق «سان بيدرو» بقيادة محمّد علي حشيشة وطارق الجاني وهيثم عبيد...). وتنضاف إلى النُكتة الأولى طُرفة ثانية تقول إن المستشهر الذي تتعامل معه الجامعة تحرّك في اللحظات الأخيرة لشراء حقوق البث. ومن الواضح أن هذه الحكاية «صنعتها» الجامعة لتلميع صُورة شريكها الذي كان قد تسبّب لعناصرنا الدولية في حَملة سخرية واسعة النطاق بفعل البدلات «المُزركشة» بمناسبة المُونديال والتي تمّ تَعويضها في مرحلة مُوالية بالجبّة والشاشية (والتاريخ لا يرحم). ربحنا المليارات وعجزنا عن نقل المُقابلات الحقيقة أن حفنة «الأوروات» المُتنازع عليها فيها إساءة كبيرة للمنتخب الذي من المفروض أن يكون في صَدارة الاهتمامات وبمنأى عن السّخافات. والأدهى والأمر أن المنتخب أنعش خزينة الجامعة بقرابة 25 مليارا بفضل مُشاركته المُونديالية فضلا عن منحة كأس إفريقيا المُقدّرة بأكثر من أربعة ملايين دينار. ولا نعلم ما الجدوى من كلّ هذه المليارات ونحن نعجز عن اقتناء مجرّد مباراة ودية مقابل بضعة «أوروات» لا تُعادل ربع النّفقات التي يخصّصها «سي» وديع لإطعام «حَاشيته» ولتمويل الحَملات الانتخابية التي تهمّ رئاسة الجامعة أوحتى تلك تتعلّق ب»أسياده» في دنيا السياسة... ولا يصحّ في الأفهام شيء إذا احتاج ضوء النّهار إلى شَاهد. «القناة التي تجمع» وأنت تلتقط صُورة القناة الإيفوارية يشدّ انتباهك شعارها المُثقل بالرّمزيات. وهذا الشعار يقول إن (آر .تي .إي .1) هي «القناة التي تَجمع». والحقيقة أن هذه التلفزة التي «اكتشفناها» و»لجأنا» إليها بإيعاز من جامعتنا وقناتنا الوطنية نجحت فعلا في استقطاب الملايين من الايفواريين والتونسيين. ولا يُساورنا أدنى شك في أنها حقّقت أرقاما قياسية في نسب المُشاهدة دون الحاجة إلى شركات الإحصاء التي كانت قد أكدت بأن «المُناظرات» التلفزية للمترشّحين للرئاسية فاقت 3 ملايين مُتابع. وقد كنّا نتمنّى أن تستثمر قناتنا الوطنية هذه الانتعاشة «التاريخية» وتدعيمها بأرقام «فلكية» في عدد مشاهدي المُباراة الودية للمنتخب لا الحُصول على 12 مليون «شتيمة» بعد 24 ساعة فحسب من «سهرة المَلايين» الذين واكبوا «المُناظرة» الثالثة للمُتسابقين نحو قصر قرطاج. الكرة «حق مش مزية» أمام فضيحة البث التلفزي لمباراة المنتخب ضدّ الكوت ديفوار، أعدتُ شخصيا تفحّص فواتير الكهرباء الجديدة وحتى القديمة لأٌقطع الشك باليقين وأتثبّت من أن المواطن التونسي يدفع المال للتلفزة ليحصل على نصيبه من الفُرجة على كل الأنشطة السياسية والثقافية والرياضية... ومن المُلاحظ أن هذه الأداءات تبدأ من 3 دنانير لتصل إلى 8 دنانير. وهذا ما يُعطينا «الشرعية» التامّة لمُطالبة التلفزة والجامعة بحقّنا في الفُرجة على كامل أنشطتنا الكروية المحلية وفي مقدّمتها المباريات الودية للمنتخب الذي كان من المفروض وضعه خارج «المزاد» لأنه من الأشياء «المقدّسة» والتي لا ينبغي أبدا تدنيسها بالسّياسة و»الفلوس». عاش المنتخب وهو «الحِزب» الأكبر والدائم للشّعب التونسي.