تونس -الشروق: القسم الذي يؤديه النواب فور دخولهم للبرلمان ، والقاضي بخدمة الشعب ورعاية مصالحه يبدو انه لا يبقى في اذهانهم سوى لفترة قصيرة قبل ان يتفرقوا الى انتماءات مختلفة منها الحزبي والفئوي والجنسي .. وصولا الى الانتماء القطاعي الذي طبع مسيرة العمل البرلمان على امتداد خمس سنوات ونأمل ان لا يكون من خاصيات عمل البرلمان القادم. القطاعية أضرت كثيرا بعمل البرلمان وأظهرت ما تُنتجه المؤسسة التشريعية من نصوص قانونية ، في شكل غير متوازن ومحكوم بارادة لوبيات قطاعية تتحكم في تفاصيل النصوص التشريعية ،تُضيف لها ما ترغب في إضافته وتحذف منها ما ترى أنه يضر بمصالحها. المحامون مفهوم القطاعية لم يتبلور بشكل واضح منذ بداية عمل المؤسسة التشريعية ،بل كان يعمل بشكل خفي ،الى غاية طرح بعض الملفات التي تمس قطاعات لها نفوذ واسع داخل البرلمان ،حينها خرجت اللوبيات القطاعية الى العلن ،وأصبحت مكشوفة بالنسبة للرأي العام. من أهم المراحل التي ظهرت فيها اللوبيات القطاعية ، في ديسمبر 2016 عندما تم طرح مشروع قانون المالية لسنة 2017 للنقاش ،حينها ظهر مقترح توظيف طابع جبائي على المحامين في كل قضية يترافعون فيها ، وكان هذا المقترح في سياق مقاومة التهرب الضريبي. هذا المقترح أخرج الى العلن الانتماءات القطاعية داخل الكتل البرلمان فالنواب المحامون ،وعددهم 32 انتفضوا للدفاع عن قطاع المحاماة وتخلصوا من التزاماتهم الحزبية ، وأصبحوا يمثلون كتلة واحدة. أصر النواب المحامون على إسقاط مقترح الحكومة وتمكنوا من اسقاطه داخل لجنة المالية ،كما اسقطوه في الجلسة العامة ، وظهر النواب المحامون حينها بمظهر الغارقين في القطاعية ، وواجهوا انتقادات لاذعة خاصة وان الترفيع في الضرائب على الموظفين وباقي الفئات الاجتماعية كان يمر بشكل سلس. الأطباء يُعتبر المحامون من اكثر اللوبيات المدافعة عن المطالب القطاعية داخل البرلمان ،يليهم الأطباء وهم تقريبا 11 طبيبا ،إضافة الى إطارات شبه طبية ، هم أيضا شكلوا "لوبي" حاول الدفاع عن مصالح الأطباء والإطارات العاملة معهم ، ولئن كان تحركهم اقل حدة من المحامين الاّ انهم بذلوا جهودا كبيرة في تمرير مشروع قانون المسؤولية الطبية ،إضافة الى نصوص تشريعية أخرى ، كما كانوا في صف الأطباء مع كل أزمة شهدها القطاع الصحي في السنوات الماضية. رجال الأعمال من اللوبيات التي تعمل بشكل هام في البرلمان وتحاول ان تبقى في الخفاء ، لوبي رجال الاعمال الذي تحرك في كل الاتجاهات وركّز حضوره على لجنة المالية في مجلس نواب الشعب ، وكان كثيف الحضور اثناء مناقشة قوانين المالية والميزانيات. رجال الاعمال تبلغ نسبتهم ما يقارب ال11 بالمائة من نواب البرلمان امتدوا على كل الكتل البرلمانية تقريبا وحاولوا التحكم في مصير عدد كبير من النصوص التشريعية لصالحهم ، حتى ان قوانين المالية الماضية لم تتضمن ما يمكن الحديث عنه في سياق مساعدة رجال الاعمال للدولة حتى تخرج من ازمتها بل بالعكس ، تم توظيف الدولة لاخراج رجال الاعمال من ازماتهم مثلما حدث في تعويض أصحاب النزل بعد حادثة سوسة الإرهابية. أساتذة التعليم الثانوي يضم البرلمان 24 أستاذ تعليم ثانوي ، مثلوا مجموعة مدافعة عن الأساتذة في الازمات المتتالية بين وزارة التربية ونقابة التعليم الثانوي ، واصطف الأساتذة خلف نقابتهم مستغلين البرلمان واجهة للدفاع عن مطالب الأساتذة والوقوف في وجه الوزارة. تونس تعاني «مافيا القطاعات» و«الأوطان القطاعية» الجلسة العامة التي تم خلالها مناقشة الضريبة التي رغبت الحكومة في توظيفها على المحامين ، كانت من اكثر الجلسات التي عمت فيها الفوضى فبالرغم من ان هذا الملف خضع لنقاشات طويلة في لجنة المالية وفي أروقة البرلمان الا انه كان سببا في فوض عارمة في قاعة الجلسات العامة. ما حصل اعتبره بعض المراقبين للمشهد السياسي ،بالسابقة ، خاصة من ناحية الاصطفاف القطاعي ، وذهب آخرون ابعد من ذلك ليعتبروا ان ما حصل كشف «مافيا قطاعية « تتحكم في قوانين المؤسسة التشريعية ، خاصة بعد ان تم اسقاط الفصل ولم يصوت له سوى 8 نواب فقط في حين صوت ضده 100 نائب واحتفظ 13 نائبا بأصواتهم. أستاذ القانون الدستوري ، جوهر بن مبارك، اعتبر حينها ان ما حصل أكد وجود «مافيا قطاعية ولوبي الحسابات الفئوية داخل البرلمان»، وتابع في تصريح اعلامي أن تصويت نوّاب ينتمون إلى أحزاب الائتلاف الحاكم، (نداء تونس والنهضة خاصة) ضدّ مشاريع قوانين قدّمتها حكومتهم، «كشف عن زيف ما يُعبر عنه بالحزام السياسي للحكومة بالبرلمان، وأسقط ورقة التوت عن تلك الأحزاب». واعتبر الناشط السياسي برهان بسيس حينها أنه تأكّد من أن المحامين اصبحوا يمثلون «لوبي« مشيرا الى ان رئيس هيئة مكافحة الفساد محام، كذلك رئيس الجمهورية وعديد الوزراء وإطارات الدولة ورؤساء الأحزاب والكتل البرلمانية، كلهم محامون. وأشار في تصريح اعلامي الى ان تونس أصبحت تعاني ظاهرة جديدة وهي «الأوطان القطاعية»، مضيفا «كل قطاع وضع لنفسه راية ووطنا وعسكرا وقوانين... باتت لدينا دول قطاعية ومنها دولة المحامين». في البرلمان 32 محاميا و24 أستاذا يضم مجلس نواب الشعب 32 محاميا و 24 أستاذ تعليم ثانوي و15 أستاذا جامعيا و14 موظفا في القطاع الخاص و 13 مدير مؤسسة و 11 طبيبا و 11 اطارا ساميا بالوظيفة العمومية و10 متقاعدين و9 معلمين في التعليم الأساسي و 8 موظفين عموميين و 7 اطارات سامية بالقطاع الخاص و6 باحثين جامعيين و5 مهندسين و5 طلبة. 25 رجل أعمال في البرلمان تقارب نسبة رجال الاعمال في مجلس نواب الشعب 11 بالمائة من مجموع كل النواب ،وينتمي رجال الاعمال الى أغلب الكتل البرلمانية ، وينتمي 60 بالمائة من رجال الاعمال الى كتلة نداء تونس ، ثم كتلة افاق تونس وتضم 4 رجال أعمال ،ثم حركة النهضة بثلاثة رجال اعمال والاتحاد الوطني الحر وحزب المبادرة بنائب وحيد. اسقاط «الضريبة على الثروة» اسقطت لجنة المالية والتنمية والتخطيط بمجلس نواب الشعب ،الفصل 30 من مشروع قانون المالية لسنة 2017 المتعلق بفرض ضريبة على المسابح الخاصة بقيمة 1000 دينار سنويا. ووصف النواب، خلال مواصلة نقاش فصول مشروع قانون المالية لسنة 2017، هذا الاجراء «بالشعبوي» معتبرين انه «لا يرتقي الى مستوى الانتظارات المرتقبة من مشروع قانون المالية».وقال النائب منصف السلامي (نداء تونس) ان هذا الفصل غير منطقي متسائلا عن مقاييس احتساب الضريبة على المسابح. وابرزت النائبة ليلى الحمروني ان هذا الفصل عبارة عن ضريبة مقنعة على الثروة مشيرة الى انه لا يتعدى ان يكون «إجراء شعبويا».