كثيرة هي الملفات القضائية التي لكثرة تراكمها أصبح السؤال عن دولة العدل في تونس يطرح باستمرار فهل تحولنا إلى دولة اللا عدالة وهل أصبح للقضاة جمهوريتهم خاصة في ظل التوتّرات الاخيرة على أكثر من صعيد وتعطّل المرفق القضائي بسبب اعلان الاضراب المفتوح ؟ تونس (الشروق) مثلت الملفات ذات الطابع السياسي منذ جانفي 2011 إلى اليوم نقطة ضعف الجهاز القضائي في تونس حيث ان تعامل القضاء مع اغلبها يطرح الى اليوم الكثير من الأسئلة سواء حول أسباب التعطيل وتأخر الحكم فيها أو أسباب بعض الإجراءات التي لا يجد لها أهل القانون مبررات. دولة قانون ومؤسّسات عندما نتحدث عن تونس فإننا نتحدث عن دولة القانون والمؤسسات وأنّ العدل أساس العمران وهو الشعار الذي عملنا على تكريسه منذ الاستقلال لكن -للأسف- فإنّ تدخل السياسة في الجهاز القضائي ترك الكثير من الصور التي تتناقض مع شعار دولة القانون لتتحول في كثير من الاحيان الى دولة الحزب الحاكم أو دولة الحزب الأكثر نفوذا في البلاد. كان من الممكن السكوت عن تلك الوضعية أو عدم ايلائها الأهمية اللازمة قبل جانفي 2011 بحكم هيمنة الرئيس وحزبه وحاشيته على البلاد وكانت المهمة الأساسية ازاحة النظام ثم القيام بإصلاحات في مختلف القطاعات وهو ما أصبح ممكنا بعد ذلك التاريخ. اليوم هناك الكثير من الشبهات حول اشتغال القضاء انطلاقا من عدة شواهد ومنها قضية نبيل القروي حيث هناك تداخل مع المعطى السياسي والانتخابي مما كثف الشكوك في توظيف القضاء لتصفية الحسابات وخدمة الشؤون السياسية والانتخابية وهذا ليس كلام هيئة الدفاع عنه او كلامه فقط وإنما أصبح مطروحا بجدية لدى الكثير من الأحزاب والمنظمات وحتى خارج البلاد. نبيل القروي في السجن بقرار قضائي وبالرغم من انه دون محاكمة ولا تهم ثبتت في حقه كما أنه دخل في مسار انتخابي وطني مما جعل من التداخل بين الاجندة القضائية التي ظلت مؤجلة سنتين تقريبا والاجندة السياسية الانتخابية التي انطلقت قبل إيقافه، ذلك التداخل أثار الكثير من الشكوك. هذا هو أصل المشكل فالقضاء ليس مجرد قوانين كتبت لتطبيقها بشكل حرفي أو بعيدا عن فقه القضاء وانما هي تتفاعل مع المناخ العام في البلاد وطبيعة كل ملف قضائي وكانت هناك اجتهادات من هذا القبيل نوه بها الجميع وشكروا القاضي الذي قام بها وخاصة في الملفات ذات البعد الإنساني. ذوق قانوني وزمن سياسي وهنا صعد مصطلح الذوق القضائي المرتبط بفهم القاضي لأحوال المجتمع وخصائص الواقع وأخذها بعين الاعتبار عند إصدار أحكامه وقراراته، ففي قضية نبيل القروي مثلا، كيف يُسمح له من البداية للترشح لاعلى منصب في الدولة وتقرّ هيئة عليا مستقلة للانتخابات والقضاء الإداري سلامة ملفه ثمّ يقع بعد ذلك ايقافه وإدخاله السجن في حالة وصّفها الجميع بأنّها غريبة حتى أنّ أستاذ القانون الدستوري عياض بن عاشور قال انه لم يسبق للتاريخ أن شهد حالة مماثلة، كما نبّهت أطراف سياسية، ومن بينها حركة النهضة من ضرورة الحذر نتيجة تزامن الزمن الانتخابي والسياسي بالزمن القضائي. والآن، نتيجة أحكام قضائية قيل فيها الكثير، فإنّه ليس القروي فقط في مأزق وتغيب عنه فرص التكافؤ في التنافس الانتخابي، بل إنّ البلاد كلّها ستكون في مأزق إذا ما تحقق فوزه في الدور الثاني للانتخابات وأصبح دستوريا رئيسا للبلاد. غياب الذوق القضائي وعدم مراعاة الزمن السياسي يدفع الجميع الى أوضاع غريبة تهدِّد استقرار البلاد مرّة واحدة. ولا يمكن لأحد أن ينكر أنّ جهاز القضاء التونسي في حاجة الى مراجعات واصلاحات حتى تتم حمايته من التداخل بينه وبين عالم السياسة فهي نقطة الضعف الوحيدة المتبقية ويمكن هنا ان نذكر بعدة ملفات اخرى وليس فقط ملف القروي منها مثلا ملفات صابر العجيلي وعماد عاشور اللذين خسرا قرابة السنتين من اعمارهما بسبب حسابات سياسية ثم تم الحكم ببراءتهما ثم ملف برهان بسيس. وفي الاتجاه ذاته هناك ملفات الاغتيالات التي مازالت تراوح مكانها وملفات الفساد التي تعلقت بعدد من السياسيين والمسؤولين أيضا لا تسمع عنها اي تقدم باستثناء ما تطلب الحاجة السياسية أن يتقدم. اذن فان قطاع القضاء في تونس مازال في حاجة لإصلاحات عميقة تحصنه وتحميه لكي لا نتحول من دولة القانون الى دولة اللاقانون او دولة السياسيين وعندها تصح تسمية «دولة الفساد» ففي النهاية التداخل بين الجهاز القضائي بمختلف مكوناته مع عالم السياسية لا يولد الا الفساد وغياب العدالة وتراجع الثقة في تحقيق ذلك المكسب الوطني. جمعية القضاة تدعو الى وضع حد ل«الفوضى» طالبت جمعية القضاة امس بضرورة وضع حد للفوضى مضيفة انه اذا كان بعض المحامين يقبلون بها فإنهم لا يمكنهم كقضاة الصمت والبقاء في موقع الحياد واعتبرت جمعية القضاة التونسيين في ندوة صحفية امس ان واقعة اقتحام مكتب وكيل الجمهورية الخميس الماضي يعتبر ايذانا بانهيار مؤسسات الدولة مضيفة ان حجم الخطورة في ما حصل يتأتى مما يمثل مكتب وكيل الجمهورية من مركز للقيادة القضائية والامنية ولادارة المحكمة وما يضمّ من معلومات خطيرة ومعطيات سرية في هذا الظرف الامني الدقيق الذي تمر به البلاد في سياق التهديدات الارهابية. واعتبرت الجمعية ان مسألة الاعتداءات ليست عرضية وأن ما حصل هو تراكم لأوضاع غير عادية في تعامل مجموعات من المحامين مع المحاكم والقضاة والهيئات القضائية مذكرة ببعض الاعتداءات السابقة على غرار حادثة الاعتداء على حاكم تحقيق بمحكمة تونس خلال شهر فيفري 2014 و الاعتداء على الوكيل العام بصفاقس خلال شهر مارس من سنة 2015 وغيرها من الاعتداءات. الأستاذ بشير القطيطي «جمعية المحامين الشبان» لا ديمقراطية دون قضاء مستقل اعتبر الأستاذ بشير القطيط عضو جمعية المحامين الشبان في تصريح للشروق أن القضاء التونسي اليوم يعاني من تدخلات السياسيين وأنه لا يمكن الحديث عن دولة ديمقراطية دون ان يكون هناك قضاء مسقل. وقال الأستاذ القطيطي «عبر التاريخ الحكومات كانت تحاول السيطرة على القضاء ولا يمكن ان نجزم اليوم بان القضاء مستقل مع التنسيب طبعا». وتابع « مثلما كان الوضع في عهد بن علي لم يكن كل القضاء تحت السيطرة وانما هناك شبكة يصنعها النظام والمشكل الكبير اليوم هو المجلس الأعلى للقضاء وهو يمثل القضاء ككل وعندما نرى جمعية القضاة تدعو إلى إضراب بالشكل الذي عشناه هناك أسئلة كثيرة تطرح». وحول الملفات السياسية وكيفية التعامل معها قال محدثنا «بالنسبة للملفات السياسية ملف الاغتيالات مثلا مسيس مائة بالمائة ونحن نصادق على كل كلمة قالتها لجنة الدفاع ونحن كجمعية ساندنا اللجنة في جميع تحركاتها لانه من غير المعقول ان نتحدث عن قضاء سيعيد الحقوق الى أصحابها وفي نفس الوقت المحضر يبقى لدى وكيل الجمهورية سنة دون اتخاذ اي قرار وكذلك في ملف القروي ما حصل خيبة أمل في القضاء «. وأضاف «اقصاء خصوم سياسيين بواسطة القضاء وبالرغم من التبريرات التي قدمت لأنه حتى من الناحية القانونية موقف دائرة الاتهام كان مفاجئا وليس صحيح بنسبة مائة بالمائة... طبعا المنظومة في حاجة الى مراجعة جذرية لأنها تهم البلاد ككل واستقلالية القضاء ليست مهمة القضاة لوحدهم والمحاماة عبر تاريخها هي أكثر من دافع عن استقلالية القضاء ولا يمكن بناء دولة ديمقراطية دون قضاء مستقل». بسبب قضية القروي وكيل الجمهورية مطالب بإصدار توضيح ضاف للرأي العام اثر إيقاف رئيس حزب قلب تونس أصدرت جمعية القضاة التونسيين بيانا دعت فيه وكيل الجمهورية بمحكمة الاستئناف بتونس إلى إصدار توضيح ضاف للرأي العام بالتنسيق مع الناطق الرسمي باسم القطب القضائي الاقتصادي والمالي بالمحكمة الابتدائية بخصوص المسار الإجرائي للقضية وآخر التطورات الحاصلة به. واعتبرت الجمعية ان ذلك الاجراء يفرضه الحرص على سلامة المناخ والسياق الانتخابي والتوقيت الحساس الذي تمر به البلاد. كما دعت الجمعية المجلس الأعلى للقضاء الى «تحمل مسؤولياته طبق صلاحياته الدستورية في ضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاله واتخاذ كل الإجراءات المترتبة عن ذلك في هذه الظرفية الحساسة والبلاد مقبلة على الاستحقاق الانتخابي الرئاسي».