تونس الشروق : «الشروق « فتحت ملف «استقلال القضاء « مع اهل الاختصاص و رصدت آراء المواطنين في التحقيق التالي: 8 سنوات بعد الثورة خاض خلالها القضاة معركة تلو أخرى. و شهدت الساحة القضائية عدة تحركات ابرزها الخروج الى الشارع بالزي الرسمي في سبيل التكريس الفعلي ل «سلطة قضائية مستقلة « واطلاع الرأي العام على ما يعانيه القضاء من ضغوطات ونقائص. القضاة اعلنوا المواجهة والتحدي طيلة ال8 سنوات من أجل ضمان حقوق المتقاضي قبل القاضي و تكريس المحاكمة العادلة من خلال حسن تطبيق القانون .. فيما تعالت الأصوات في الشارع التونسي منادية باستقلالية القضاء رافعة شعار «الشعب يريد قضاء مستقلا» فمطالب استقلال القضاء لم تعد خاصة بالقضاة. بل أصبحت مطلبا شعبيا. و الجميع انتظر تغيير واقع القضاء وتخلّصه من الأغلال التي كبلته مدة عقود. 8 سنوات والوعود بقيت حبرا على ورق ومجرد وعود واهية. فلا أحد ينكر أن القضاء مازال يعيش حالة من الارتباك وعدم التوازن والضعف مقابل تمسك القضاة بافتكاك استقلاليتهم وتكريس علوية القانون. منظومة عقيمة أوضح عمر الوسلاتي قاضي رتبة ثالثة بمحكمة استئناف بتونس و نائب رئيس فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فرع منوبة و باردو و المنازه في لقاء مع « الشروق « أن تونس عرفت بخصوص المنظومة القضائية تحولات مهمة بدأت بحراك القضاة بعد الثورة نتج عنه تخصيص باب كامل بالدستور يتعلق بالسلطة القضائية. وتضمن مجموعة من الضمانات الهامة و من بينها إرساء المجلس الأعلى للقضاء وضمان عدم نقلة القاضي إلا برضاه إلى جانب مجموعة من المبادئ الأساسية التي مكنت القاضي من الشعور بنوع من الاستقرار الوظيفي. ثم شهد وضع القضاة تحسنا طفيفا. لكن بقيت نفس ظروف العمل التي تؤثر على عمل القضاة باعتبار ان القضاء يمثل جزءا من المنظومة الحكمية بالبلاد ويتأثر بالقضايا كما يتأثر بالمواقف و يتأثر بالرأي العام في بعض القضايا. وهذا يظهر في بعض القرارات التي تتجه مثلا نحو مواقف متشددة. وهنا يبرز ضعف المنظومة القضائية تجاه التحولات السياسية التي لم يواكبها القضاء من حيث التجديد أو التخصص أو التعدد الحزبي و حرية التعبير كذلك الخطابات الجديدة للسياسيين و الخطاب الإعلامي الجديد و غيرها من التغييرات التي ساهمت في منظومة حكم جديد. و اضاف للأسف القضاء بقي يشتغل بنفس أدوات العمل القديمة التي قد تؤدي إلى تأويلات لا تخدم نظام الحكم الجديد و النظام التعددي الجديد على غرار القرارات التي تتخذ في سياق الانتخابات لا يعني ان القاضي قد « يضرب على يديه» « إذا تعهد بقضية تزامنت مع سياق انتخابي أو سياق سياسي معين و لا يتخذ القرار السليم. لكن تبرز القوانين أو المنظومة القانونية الموجودة الآن ضعفها من حيث فهم المنظومة الدستورية الجديدة. و اكد محدثنا أن المنظومة القضائية الموجودة هي منظومة عقيمة لا تخدم الديمقراطية و لا تخدم التعددية السياسية. عدالة عرجاء العدالة في نظر القاضي هي عدالة عرجاء عدالة تتجه إلى طبقة بسيطة و لا تطال الرؤوس الكبيرة و أصحاب النفوذ و المفسدين الكبار هذا ما أكده القاضي عمر الوسلاتي مضيفا أنه لا توجد إرادة سياسية حقيقية لإصلاح منظومة العدالة بشكل يؤدي إلى نجاعتها التي بتوفرها سنضمن نظاما ديمقراطيا. و أضاف أن ما تعيشه تونس اليوم هو نظام ديمقراطي غير حقيقي.و قال « أعتقد أن الانتخابات هي التي تؤدي بنا إلى الحديث عن أن تونس أصبحت بالفعل ديمقراطية. لكن عندما نلمس الواقع نجد ان هناك منظومة قضائية مهترئة و حوكمة ضعيفة و ادوات عمل مهترئة أيضا و وضع القضاة رغم التمتع بضمانات الاستقلالية الذاتية لكن في غياب أدوات السلطة ( التحقيق و التخصص و التكوين وسلطة الردع و القدرة على الحصول على المعلومة و النفاذ اليها و غيرها ) تصبح غير ذات معنى. أين الاستقلالية؟ تساءل القاضي الوسلاتي : « كيف يمكن للرأي العام أن يطالب باستقلالية القاضي في غياب أدوات السلطة و مستلزمات العمل؟ فبغيابها يصبح القرار القضائي ضعيفا أو يغيب القرار. واكد ان المنظومة القضائية تحتاج إلى التغيير مشيرا الى بناء ديمقراطية جديدة. و اضاف ان العمل كان في اتجاه فرض استقلال القضاء . ولكن أضعف من حيث الهيكلية حيث تم سحب إشراف القاضي على كتابات المحاكم وهي أهم أداة لعمله. و أصبحت تتبع وزير العدل. وفي سياق متصل اضاف المحامي علي كلثوم في حديثه مع « الشروق « انه لا يمكن الحديث الآن عن وجود قضاء مستقل. بل هناك إجماع على انه مازال يعاني من تبعات التعليمات . لكن هذا لا ينفي وجود الأغلبية الساحقة من القضاة مستقلين و يعملون بكل حرفية و حياد . وأكد الاستاذ كلثوم انه لا يمكن ان يستقل القضاء بمجرد إرساء المجلس الأعلى للقضاء فالمسألة أخلاقية بالأساس و خيارات شخصية فالقاضي هو من يختار أن يكون سيد نفسه و يحسن تطبيق القانون و لا يبالي بأي سلطة و هناك من يختار أن يكون متسلطا و طامعا في منصب أو مسؤولية معينة فينساق وراء التعليمات. بل ربما هو من يعرض خدماته وولاءه لأصحاب النفوذ . و اعتبر الاستاذ كلثوم ان إشكالية استقلال القضاء لا ترتبط فقط بالقضاة. بل بالسلطة السياسية بالأساس فهي تتدخل في سير القضاء بطريقتها من خلال تسمية قضاة معينين في مراكز معينة خدمة لمصالحها وهو اكبر خطر يهدد استقلالية القضاء . وانتهى الاستاذ علي كلثوم بالتأكيد على عودة الماكينة القديمة لتدجين القضاء. جهاز قضائي و ليس سلطة قضائية اوضح القاضي الوسلاتي انه لا يمكن الحديث عن سلطة قضائية بل عن جهاز قضائي يتمتع فيه القاضي بضمانات استقلال القاضي الذاتية و لكن لا يوجد قضاء مستقل طالما أنه لا يملك أدوات الاستقلالية الحقيقية. و لكن للأسف لا نجاعة في القرارات القضائية. و ذكر على سبيل المثال قرار ايداع نبيل القروي السجن و سرعة تنفيذه. و هنا أشار محدثنا الى وجود العديد من بطاقات الجلب أو الإيداع مازالت عالقة و لم تنفذ و الحال نفذت بطاقة الإيداع في حق نبيل القروي بسرعة. و قال ان المنظومة القضائية لا تملك جهاز تنفيذ و ليس لها سلطة على الأمن . وليس لها سلطة على باحث البداية إلا في ما يتعلق بالإجراءات و الاستشارة. وبالتالي فإن الحديث عن سلطة قضائية سابق لأوانه. بل الموجود جهاز قضائي لإدارة العدالة مؤكدا في هذا السياق أن الملاحظ ان العدالة الموجودة اليوم هي عدالة «انتقائية « يغيب فيها دور القاضي . ويقتصر على رأيه القانوني الذي يحتاج بدوره إلى التكوين المستمر و التعديل. فأكبر خلل يعاني منه القضاء اليوم هو غياب نظام تقييم للقضاة في اسناد الوظائف القضائية الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف مركز القرار في القضاء.و أشار في سياق متصل إلى أن الرأي العام غالبا ما يقرن استقلال القضاء بالتدخل السياسي. لكن الاستقلالية تعني قدرة القضاء على اتخاذ القرار و تنفيذه و نجاعته في آجال معقولة حتى يصل الحق الى أصحابه . و إذا عجز القاضي عن اتخاذ قرار سليم من حيث القراءة القانونية و إذا عجز عن تنفيذ قراراته و متابعة ذلك لا يمكن الحديث اذا عن وجود سلطة قضائية. و لن تنتهي بالتالي التجاذبات. و لن تنتهي المعركة إلا بقضاء يكون مالكا زمام الأمور و يملك أدواته الحقيقية للاستقلالية . و من جانبه اضاف الاستاذ علي كلثوم انه لا يمكن الحديث عن سلطة قضائية مستقلة في مثل هذه الوضعية اذ لا يمكن للقضاء ان يضطلع بمسؤولياته كاملة في حماية الحقوق و الحريات و بناء ديمقراطية متوازنة . ماذا عن دائرة الاتهام ؟ اوضح القاضي الوسلاتي ان دائرة الاتهام لا معنى لها في المنظومة القانونية الجزائية باعتبارها تؤدي الى تعطيل الاحكام ملاحظا ان هناك العديد من الدعوات من رجال القانون الى التخلي عن تلك الدائرة . وبالتالي فإن النقاش القانوني يطرح حول المنظومة القانونية الحالية التي تعاني من المشاكل الى جانب ادارة المحاكم التي تحتاج بدورها الى التغيير نتيجة سوء الخدمات القضائية و عدم تنفيذ أغلب الاحكام . ترتيب البيت الداخلي يحتاج القضاء الى ثورة حقيقية داخله و الى القطيعة الفعلية مع الماضي. كما انه يحتاج الى ترتيب بيته الداخلي هذا ما اجمع عليه عدد من القضاة ممن تحدثت اليهم «الشروق» ملاحظين انه يجب خوض معركة القضاء المستقل حتى تتأسس مفاهيم الديمقراطية. كما يجب التفكير في كامل المنظومة القانونية للسلطة القضائية خاصة في ظل عدم توفر الآليات الكافية للقضاة حتى يساهموا في ارجاع الحقوق الى اصحابها و الكشف عن ملفات الفساد و محاسبة كل من يثبت تورطه . وهنا قال الاستاذ علي كلثوم إن اهل البيت وهو القضاة يقرون بضرورة تطهير القضاء من الفساد. وما أجمع عليه القضاة والمحامون انه لم يتحقق أي شيء من اهداف الثورة بخصوص القضاء. فالمشهد القضائي مازال مبعثرا وواقع القضاء أصبح اكثر تعقيدا في ظل غياب الارادة السياسية مما جعل «دار لقمان على حالها». الأستاذ بسام الطريفي ل«الشروق» السلطة التنفيذية لازالت تتحكّم في بعض القضاة وليس القضاء تونس «الشروق» إيمان بن عزيزة قال المحامي ونائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان الاستاذ بسام الطريفي في لقاء مع «الشروق» إنه بعد ثورة 2011 كنا نأمل في أن يكون القضاء نزيها ومستقلا ومحايدا. وبدأت تجليات الاستقلالية تظهر بتركيز المجلس الاعلى للقضاء وتعديل بعض القوانين المنظمة لعمل القضاة. لكن لئن تحرر القضاء نسبيا من التبعية للسلطة التنفيذية فللأسف مازلنا نعيش في مظاهر سيطرة السلطة التنفيذية وبعض الحكومات المتعاقبة على القضاء وتوظيفه من اجل غايات سياسية. وأضاف الاستاذ الطريفي ان التوظيف واضح وجلي من خلال تنديد المحامين بخصوص تعسف القضاء على منوبيهم في عديد المحطات سواء في ملفات عادية او في ملفات تهم الرأي العام. وخير دليل على ذلك ما حصل مؤخرا في ملف نبيل القروي المترشح للانتخابات الرئاسية ملاحظا ان كل من خبر دواليب القضاء وأروقة المحاكم يعرف أن هناك ضغوطات حصلت في هذا الملف لإقصاء مترشح للرئاسة وذلك بتحريك القضاء خلال عطلة قضائية وتعهده بملف بسرعة قصوى وتنفيذ بطاقة الايداع في اقل من 24 ساعة. واكد محدثنا وجود عديد المؤشرات التي تدل على أن السلطة التنفيذية لازالت تتحكم في بعض القضاة وليس القضاء مشيرا الى ان أغلبية القضاة شرفاء ونزهاء ومهنيون ومستقلون لكن هناك بعض القضاة لازالوا موالين للسلطة التنفيذية. ويتلقون التعليمات إما تقربا للظفر بمناصب أو ترقيات أو هم يتعرضون لتهديدات تتعلق بملفات خاصة بهم أو خوفا على مسارهم المهني. وشدد الأستاذ الطريفي قائلا « للأسف الشديد هناك بعض القضاة مازالوا الى اليوم يأتمرون بأوامر السلطة التنفيذية ودوائر مهنية لها نفوذ مالي وسياسي وينفذون قراراتهم. ودعا الاستاذ الطريفي الهياكل الساهرة على عمل القضاة وعلى رأسها المجلس الاعلى للقضاء والتفقدية العامة بوزارة العدل الى القيام بدورها من أجل التصدي لهذه الممارسات ولا تدع الملفات التي فيها شبهة توظيف للقضاء تمر دون تحقيق ودون محاسبة. وعلى منظمات المجتمع المدني ايضا ان تلعب دورا في هذا المجال لتحقيق استقلال القضاء باعتبار أن القضاء الضامن الوحيد للحقوق والحريات والديمقراطية.