لبنان بلد الجمال... . والمتناقضات... والمفاجآت... كان عاصمة الثقافة فتبددت... ومركز المال والاعمال فاندثر... ضعيف في ظاهره ، قوي في باطنه... كان مرتعا للصهاينة وأذاقهم ويلات الهزيمة... استقبل الثوار الفلسطينيين ثم حاربهم البعض وناصرهم آخرون... لجأ الى توأمه سوريا خلال الحرب الأهلية ( من 1975 الى 1990) ثم استقبل مئات الآلاف من السوريين الفارين من الحرب أو المتخذين في الارض اللبنانية قواعد... فيه يد وفم ولسان لكل مذهب ومشرب،ولعله ما زال لكنه يعرف كل يد غريبة فيقبّل ويعضّ... معضلة لبنان: الطائفية... زرعت في البلد منذ الاحتلال العثماني حيث كان سلطان الآستانة سلطانا للمسلمين دون غيرهم... ثم انعكس الصراع الصفوي العثماني تفريقا بين السنة والشيعة... ثم تنافس الانجليز والفرنسيون على تغليب المسيحيين وتقاسموا ولاءاتهم... ثم سلمه الفرنسيس الاستقلال وتركوا للطوائف ركائز نُقلت من العُرف الى الدستور: فللموارنة نصيب اعلى ما فيه رئيس الجمهورية وقائد الجيش... وللسنة «شقفة» كما يقول المشارقة قمتها رئيس الوزراء... وللبرلمان رئيس لا يكون الا شيعيا... وبلباس الطائفية تدثرت كل الوظائف من العليا الى المتوسطة الى الدنيا... وزعماء الطوائف تحولوا الى اقطاعيات وتجلببوا باحزاب واقتتلوا فيما بينهم احيانا كثيرة... واستنصر جلهم ان لم يكن كلهم بقوى خارجية يستمدون منها المال والسند وبعض القوة ، حتى اسرائيل كان وما زال لها مريدون وعملاء. ملوك الطوائف هؤلاء امتلكوا البلد بخيراته واهملوا مشاكله... وحسبوا انهم ملكوا اتباعهم من الطائفة... وفي عَمَهِهم نسوا ان الجيل الشاب لم تعد تربطهم باسلافهم صلة خضوع لزعامة... فلا الدروز يرون في عائلة جنبلاط ورثة كمال جنبلاط ومآثره وشتان بينه وبين ابنه وخليفته وليد... ولا شباب المسيحيين يهمهم سليمان فرنجية وكميل شمعون وبيير الجميّل... ولا السنة يذكرون رياض الصلح وسليم الحص بل ربما حتى رفيق الحريري... فقط الشيعة ظلوا على ولاءاتهم القديمة المتجددة بفعل أمرين: أولهما انهم كانوا شبه مسحوقين لحقبة طويلة وثانيهما انهم ورثوا مشعل مقاومة العدو الصهيوني ثم استفردوا بهذا المشعل وحققوا انتصارات يفخرون بها بالرغم من ان مرجعياتهم موزعة بين مشائخ الداخل اللبناني وآيات الله في العراق وفي ايران... وللطوائف في لبنان حديث آخر. وكانت المفاجأة اللبنانية: الشباب انتفض وخرج بمئات الآلاف للشوارع والساحات يصرخ في وجه ملوك الطوائف: كفى... كرهناكم فارحلوا غير ماسوف عليكم لكن لنحاسبكم قبلا عن كل ما نلنا ونال البلد منكم من ويلات. هؤلاء الشباب فاجأوا الجميع وأولهم ملوك الطوائف الذين نهبوا ثروات البلد وأفسدوا... خرجوا يحملون راية الوطن وحدها عابرين للطائفية... وانتزعوا من السلطة الحالية اعترافا بحقوقهم... لكن للاسف يبدو ان هناك من سعى الى حرف الحراك الشبابي الراقص عن مساره... ودخلت على الخط قوى اقليمية واجنبية ومعادية تريد استغلال الشباب الغاضب لمآرب خارجية أساسها إنهاء حالة المقاومة في الساحة اللبنانية... وهنا المقتل لو حقق المتدخلون مآربهم... لكن يظل الوعي الشبابي الذي سطع طوال أيام مبعث أمل كبير بأن اي سرقة لاحلام الاجيال الجديدة لن تحدث ولن تمر مؤامرات تحاك من وراء الحدود والبحار... فعساه يكون ربيع لبنان الذي يزهر في موطن عليسة.