فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف لطيران الاحتلال لمناطق وسط وجنوب غزة..#خبر_عاجل    أبطال إفريقيا: الأهلي المصري يقصي مازمبي الكونغولي .. ويتأهل إلى النهائي القاري    حالة الطقس لهذه الليلة..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    طبيبة تونسية تفوز بجائزة أفضل بحث علمي في مسابقة أكاديمية الشّرق الأوسط للأطبّاء الشّبان    التعادل يحسم مواجهة المنتخب الوطني ونظيره الليبي    بعد دعوته الى تحويل جربة لهونغ كونغ.. مواطن يرفع قضية بالصافي سعيد    عاجل/ ايقاف مباراة الترجي وصانداونز    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    بنزرت: ضبط كافة الاستعدادات لإنطلاق اشغال إنجاز الجزء الثاني لجسر بنزرت الجديد مع بداية الصائفة    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    البطولة الافريقية للجيدو - ميدالية فضية لعلاء الدين شلبي في وزن -73 كلغ    الرئيس المدير العام لمركز النهوض بالصادرات: واقع المبادلات التجارية بين تونس وكندا لا يزال ضعيفا وجاري العمل على تسهيل النفاذ إلى هذه السوق    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    سيدي بوزيد: ورشة تكوينية لفائدة المكلفين بالطاقة في عدد من الإدارات والمنشآت العمومية    منظمات وجمعيات: مضمون الكتيب الذي وقع سحبه من معرض تونس الدولي للكتاب ازدراء لقانون البلاد وضرب لقيم المجتمع    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    وقفة احتجاجية لعدد من أصحاب "تاكسي موتور" للمطالبة بوضع قانون ينظم المهنة ويساعد على القيام بمهامهم دون التعرض الى خطايا مالية    القضاء التركي يصدر حكمه في حق منفّذة تفجير اسطنبول عام 2022    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    وزارة التجارة تقرّر التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    منوبة: الاحتفاظ بصاحب مستودع عشوائي من أجل الاحتكار والمضاربة    أحدهم حالته خطيرة: 7 جرحى في حادث مرور بالكاف    يلاحق زوجته داخل محل حلاقة ويشوه وجهها    عاجل/ إصابة وزير الاحتلال بن غفير بجروح بعد انقلاب سيارته    القلعة الصغرى : الإحتفاظ بمروج مخدرات    رقم قياسي جديد ينتظر الترجي في صورة الفوز على صن داونز    معتز العزايزة ضمن قائمة '' 100 شخصية الأكثر تأثيراً لعام 2024''    نابل: الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    13 قتيلا و354 مصابا في حوادث مختلفة خلال ال24 ساعة الماضية    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    وزارة المرأة : 1780 إطارا استفادوا من الدّورات التّكوينيّة في الاسعافات الأولية    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    "تيك توك" تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الباحث في علم الاجتماع فؤاد غربالي في حوار ل«الشروق» الأحزاب لم تنته ولكن عليها ان تكون أكثر ديمقراطية
نشر في الشروق يوم 01 - 11 - 2019

في هذا الحوار الذي خصّ به "الشروق" قال الباحث في علم الاجتماع فؤاد غربالي إن ما حصل في الانتخابات التشريعية والرئاسية كان متوقعا بالنسبة لمن جددوا أدوات تحليلهم للظواهر السياسية في تونس.
تونس الشروق
الشباب عاقب المنظومة الحزبية المنغلقة والتي تتسم بالابوية وثأر لنفسه من النخبة السياسية ومن الاعلام بحثا عن موقع له داخل "السيستام" فالمعركة لم تكن ضد "السيستام" بقدر ما كانت بحثا عن موقع داخله من قبل الهامش. التفاصيل في الحوار التالي.
كيف تقرأ نتائج الانتخابات الرئاسية في دوريها الأول والثاني والتي برزت خلالها ملامح مسار جديد فيه مشاركة مكثفة للشباب في التصويت وفيه أيضا خيارات جديدة للناخب؟
في اعتقادي يخضع أي تاويل للحدث الإنتخابي الرئاسي كحدث سياسي وإجتماعي لعدة تفسيرات ومستويات قراءة مختلفة. قد تكون النتائج قد فاجأت البعض ولكن هي متوقعة بالنسبة لمن جددوا أدوات تحليلهم للظواهر السياسية في تونس ولمن كانوا يدركون أيضا أن هنالك قيما سياسية جديدة بصدد التشكل وأن الأطر التقليدية للتنظم السياسي هي في طور الأزمة وآخذة في التراجع والدليل على ذلك '' الهزيمة الرمزية" التي لاقتها حركة النضهة سواء في التشريعية أو الرئاسية رغم كونها الحزب الأكثر عقائدية والأكثر تنظما في البلاد. هذه النتائج هي نتاج صيرورة بأكملها ارتبطت بمرحلة ما بعد الدولة التسلطية وسقوط نظام بن علي وتشكل مسار الإنتقال الديمقراطي وهو مسار عرف تعثرات كثيرة خلال الثماني سنوات الأخيرة وخلق خيبة أمل جماعية خاصة لدى الشباب والطبقة المتوسطة ومرد هذه الخيبة يعود برأيي إلى عاملين أساسيين: يتعلق الاول بعجز حكومات مابعد 14 جانفي على تقديم إجابة واضحة عن المسألة الإجتماعية. فعدد العاطلين عن العمل زاد وتآكلت الطبقة المتوسطة وتواصل ترك الفقراء لحسابهم وتزايدت اللامساواة بين الفئات الاجتماعية اما الثاني فقد تعلق بتزايد الفساد وظهور طبقة من الأثرياء الجدد المستفيدة من التهريب وغسيل الأموال والإستثمار في العمل السياسي. وبالتالي كانت نتيجة الانتخابات ترجمة لهذه الصيرورة. فمن إنتخبوا نبيل القروي جلهم من فقراء الأرياف وفقراء الأحياء الفقيرة والذين يعتقدون أنه وقع التخلي عنهم من قبل المسؤولين الحكوميين بل يعتريهم الشعور أنهم منسيون ومحتقرون. اما انتخاب قيس سعيد فهو لم يتم على قاعدة المسألة الاجتماعية وإنما وفق ديناميكية أخرى يبدو أنها فضاء سياسي وفضاء عام مضاد تشكل على هامش الأطر التقليدية وخارج دائرة الخطابات المهيمنة (حركات إجتماعية، جمعيات صغيرة، حركات شبابية...). استطاع قيس سعيد ومن معه استثمارها والإنطلاق منها على قاعدة ممارسة السياسة بطرق أخرى أو ما يمكن أن نسميه '' السياسة من تحت". الرجل اتجه للشباب وأغلبه شباب متعلم ويعيش في المدن وينتمي للطبقة المتوسطة. وهي شبيبة تشعر أن لا مكان لها في الأطر الحزبية القديمة لأنها بكل بساطة أطر مغلقة أبوية وتسلطية وجيل اليوم يعادي الأبوية بكل أشكالها ويحبذ خيارات سياسية جديدة أكثر مرونة.
ماذا يعني استقطاب مستجدّ في الترشح وفي المشاركة في الحياة العامة (قيس سعيد يترشح لأول مرة وقال انه يصوّت لأول مرة أيضا) لاهتمام 90 بالمئة من خيارات الناخبين من الفئة العمرية 18-25 سنة؟ كيف نفهم هذا التوجه؟
كما قلت لك من كان يتابع الأحداث عن قرب كان يعرف أن هناك حظوظا كبيرة لقيس سعيد و خاصة لدى الشباب الطلابي الذي يبدو أن له منظومة قيم جديدة لم تفسر و لم تقرأ سوسيولوجيا بعد بشكل كافي. اعتقد ان السؤال لا يتعلق بقيس سعيد كشخص، فهو مساعد تعليم عال قضى طوال حياته يدرس القانون الدستوري و ليست له تجربة سياسية سابقة بل السؤال يتعلق تحديدا بالمضمون الاجتماعي لانتخاب قيس سعيد حيث هناك رغبة في إحداث قطيعة راديكالية مع نخب سياسية لم تستطع تغيير الواقع في اتجاه إيجابي بل إنها عمقت الإحباطات ومارست الكثير من الاحتقار الفعلي والرمزي على نحو يصبح فيه ما حدث هو تصويت '' عقابي '' و'' ثأري'' من النخب السياسية والإعلامية ولكنه أيضا بحث عن الاعتراف علما وأن الصراعات الاجتماعية الحالية في عالم اليوم هي صراعات من أجل الاعتراف وجزء كبير من الشباب اليوم لم يعاصر زمن بن علي وهو شباب فرداني يقدر كثيرا ذاتيته ويرفض الأطر المغلقة والأبوية وخطاب قيس سعيد كان مضادا لهذا.
هناك أيضا مسألة القيم في ظل ترذيل العمل السياسي يبدو أن معايير النظافة والمصداقية قد لعبت دورا تعبويا أيضا على نحو تشكل ما يمكن أن نسميه بالاقتصاد الأخلاقي للسياسة والتونسيون يشعرون أنهم يعيشون في بلد بلا موجهات قيمية في بلد يسوده نوع من المعيارية وهذا الرصيد العاطفي لعب دورا في الانتخابات وهو ما يجعلنا نفكر في فهم ما حدث من زاوية أنثروبولوجيا المشاعر والعواطف وليس من باب السلوك السياسي المحض.
نحن نعيش تجربة نظام سياسي فريد من نوعه وهو نظام برلماني يتم فيه انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب يُعتقد انه جزء من تصوّر قوى غربية لتجربته في تونس فهل ما نعيشه هو نتيجة ازمة هذا النظام؟
حتى نكون واقعيين أكثر و نأخذ في الاعتبار العوامل السياسية لا بد من الإشارة الى فشل النظام البرلماني في تونس وعدم قدرته على حلحلة المشاكل وهو نظام جرب في العراق و يعرف كلنا إلى ماذا أدى و النظام البرلماني في تونس هو جزء أيضا من تصور القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية للنظم السياسية الجديدة في المنطقة كما أن الدفع الفايسبوكي بقيس سعيد إلى الواجهة هو جزء من هذا التصور التي تقتضي أن يكون هناك أشخاص جدد ومن خارج المنظومة القديمة وحينما نقرأ التحاليل التي تصدرها مراكز الدراسات حول المنطقة بعد الربيع العربي سنفهم ما يحدث. لا يجب أن نكتفي بتفسير ما حدث بالعوامل الداخلية ولكن يجب أن نقرأ قراءة جدلية تزاوج بين الداخلي والخارجي لأنه في النهاية تونس ليست جزيرة معزولة عن العالم.
هذا الانتصار الواسع للمرشح قيس سعيد كيف تقرأ ارتداداته على المنظومة السياسية الاجتماعية؟
طبعا هذا التحول الجذري ربما يفرض تراجعات ومراجعات لدى النخب والأحزاب السياسية القديمة من حيث خطابها وسلوكها السياسي ولكن من ناحية ثانية عدم وضوح مشروع قيس سعيد وطوباويته أحيانا ستخلق نوعا من الانتظار المشوب بالحذر من قبل عديد الفئات وخاصة المستفيدين من منظومة الحكم السابقة وكذلك سقف الإنتظارات سيكون عاليا خاصة لدى الطبقة المتوسطة التي تضررت كثيرا منذ ثماني سنوات فالوضع الاقتصادي سيئ وديون تونس مرتفعة. أعتقد أن قيس سعيد سيكون على المحك على ثلاث مستويات أساسية: المسألة الاجتماعية ومحاربة الفساد وترتيب العلاقات الخارجية لتونس من منطلق المصالح العليا وليس من منطلق شعارات ستينيات القرن الماضي.
من وجهة نظر علم الاجتماع هل انتهى فعلا دور الأحزاب؟
لا يمكن أن نجزم بأن دور الأحزاب قد انتهى. الأحزاب مازال بإمكانها أن تلعب دورا ولكن ليس بأدوات تقليدية وكلاسيكية ما يحدث بالضبط هو أن الأفراد في عالمنا اليوم لم يعد يعنيهم أن يضحوا بذاتيتهم وفردانيتهم في أطر ضيقة ومغلقة ما يعنيهم هو الإنخراط في أطر تتسم بالمرونة واحترام الخيارات الفردية ولعل ما يحدث هو أن البنية الصلبة للأحزاب كما عرفت في النصف الثاني من القرن العشرين بدأت في التخلخل بفعل تهاوي الإيديولوجيات الكبرى فنحن نعيش في عالم السيولة والمرونة وعليه فالرهان أمام الأحزاب في تونس هو أن تكون أكثر ديمقراطية لأن جلها غير ديمقراطي وتتنازع داخلها المصالح الشخصية كما انها لا تحمل مشاريع وهي تتسم بالنزعة الأبوية وتنظر إلى الشباب كمجرد خزان إنتخابي لا غير.
المبادرات المواطنية التي تشكّلت بعد اعلان نتائج الرئاسية وفوز ما سمّاه الشباب بالبطل الإيجابي (حملات التنظيف والتشجير ومطالعة الكتب في المقاهي وفي وسائل النقل) هل فيها استجابة حقيقية لخطاب الوعي الذي ظهر في خطابات الرئيس سعيّد ام هي ردة فعل انفعالية مؤقتة؟ كيف تقرا هذه المبادرات؟
هي حملات جيدة ويمكن تثمينها لكن لا يجب أن تتخلى مؤسسات الدولة عن دورها لأن ما يخيف هو أن نتحول إلى مجتمع ضد الدولة بعبارة عالم الأنثربولوجيا الفرنسي بيار كلاستر وهذه نظرية فوضوية قد تتحملها سياقات أخرى لكن السياق التونسي لا يتحملها لعدة أسباب. المسألة لا تتعلق بخطاب الوعي ولكن هي ردة فعل آنية في الحقيقة على وضع فيه الكثير من الإحباط ويعرف تراجعا كبيرا للالتزمات الحكومية تجاه البلد .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.