- كتلة الشباب رفعت لافتة «ضد السيستام» ولكنها في الأخير هي جزء من «السيستام» - قد نواجه مأزقا فيه الكثير من التشتت الحزبي و السياسي داخل البرلمان يصعب معه تشكيل حكومة مستقرة أكّد أستاذ علم الاجتماع الدكتور محمد الجويلي في حوار ل»الصباح الأسبوعي» أنّه ليس بالدقة بمكان الحديث عن هبة شعبية على خلفية نتائج الانتخابات في دورتها الأولى لأننا لا زلنا ننتظر نتائج الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية ولا يزال المشهد البرلماني غامضا والذي على أساسه ستتشكل الحكومة. وأضاف ستكون هناك بوادر تحسين «السيستام» قد لا تتجاوز واجهته البلورية، إذ ليس من السهل على القادمين الجدد مهما كانوا إزالة إرث من المحسوبية ومن الفساد ومن العلاقات الزبونية ومن ثقل الإجراءات ومن ترهل القوانين ومن تدخل مراكز النفوذ في توجيه السياسات العامة للدولة..وفي ما يلي نصّ الحوار.. ● كيف تفسر عزوف الشباب عن الانتخابات بصفة عامة وفي نفس الوقت من صوت لقيس سعيد هم من الشباب؟ لا يمكن الحديث عن عزوف بل عن موقف للشباب من العملية الانتخابية برمتها. وهو موقف رافض للانخراط في ثقافة المشاركة التي لها علاقة بالدولة وبالسلطة السياسية وبالأحزاب. وهذا يعني أن الشباب وبنسبة عالية يحمل احترازا جديا حول هياكل لم تستطع أن تعطيه الإجابات الكافية والواقعية لأسئلته المختلفة. نرى الشباب يبحث عن مناطق أخرى يشارك داخلها في صنع الأجوبة وفي تحويلها إلى مشاريع حياتية وهي علاوة على ذلك مناطق متحررة من بيروقراطية الدولة والأحزاب، تسمح له بأن يحقق نوعا من الاستقلالية الخلاقة وأن تضيف إليه أشياء جديدة. لا ننسى أيضا أن ثقافة المواطنة التي تدفع إلى المشاركة في الشأن العام لا تزال في خطواتها الأولى. والشباب بصدد مراكمة تجربة هامة في المجتمع المدني وفي أشكال غير تقليدية للاهتمام والفعل في الشأن العام. ● ماذا يعني بذلك؟ عندما يقتنع الشباب بفكرة ويشتغل عليها ويشارك في بلورتها فإنه يكون الأحرص على تحويلها إلى مشروع سياسي عبر المشاركة المكثفة في الانتخابات وهو الذي لم يحصل لدى الأحزاب السياسية الفاعلة الآن في المشهد. لو نقيم حضور الشباب في أفكار هذه الأحزاب وفي ممارساتها فإننا نقف عند ملاحظة أولية وهي أن هذه الأحزاب لم تقدر على جعل الشباب كتلة تاريخية تقود التغيير وتفعل فيه. جل الأحزاب تتعامل بشكل كلاسيكي مع الشباب وفي أقصى الحالات تمنحهم هيكلا شبابيا لا نرى أثرا له في الواقع والنتيجة أن هذا الشباب الذي اختار الأحزاب السياسية يجد نفسه في معاناة صراع المصالح السياسية لزعاماته. لقد تشكلت في أفق هذه الانتخابات كتلة شبابية جامعية وجدت في أطروحات المترشح قيس سعيد إجابات جديدة ووجدت في تعامله معها أسلوبا جديدا فيه رصيد كبير من الاعتراف بها. هي كتلة تاريخية سوسيولوجية شعرت أن بإمكانها استرجاع زمام الأمور واسترجاع مبادئ الثورة وشعاراتها. ● كيف ذلك ؟ تحتاج هذه الكتلة التاريخية السوسيولوجية عرضا انتخابيا تختلط داخله عناصر عديدة منها ما هو ذاتي ومنها ما هو موضوعي. فيما يتعلق بالذاتي طرح المترشح قيس سعيد نفسه على هذا الشباب الجامعي أساسا كشخص متزهد في السلطة السياسية متعففا على امتيازاتها وإغراءاتها بمزيج من رصيد الثقة والصرامة والطهورية. وهذه مقولات ثقافية أخلاقية تبناها هذا الشباب الناخب ورأى فيها الشروط الأساسية لممارسة الشأن السياسي بما يعني أن من لا يمتلك هذه الشروط لا مكان له في هذا الحقل المتشعب. لقد عاقب الشباب الذي انتخب قيس سعيد السلوك السياسي للفاعلين الذين كانوا داخل منظومة 2014 التي حامت حولها تمثلات تتعلق بالفساد والانتهازية السياسية والصراع حول المصالح الشخصية دون أن تكون لهم نجاحات في الواقع. أما موضوعيا فإن طرح المترشح قيس سعيد والذي على أساسه حصل على أصوات شبابية فإنه طرح كما ورد في سابق التحليل يطرح أفكارا جديدة تتعلق بإعادة تنظيم الحياة السياسية من خلال إعادة النظر في جدوى التمثيل البرلماني الذي أثبت قصوره خصوصا من خلال أداء الكثير من الفاعلين فيه وتدخل هنا السياحة البرلمانية كأكبر إشكال يجعل من المواطن الناخب إمكانية سحب ثقته من أي نائب لا يكون في مستوى الثقة التي أنيطت بعهدته، هذا علاوة على التصور الجديد للسلطة المحلية و أدوارها في قلب واضح للهيكلة السياسية بحيث نتخلص تدريجيا من المركزية في اتجاه واضح للمحلية. ● هل ترى فعلا، من خلال نتائج الانتخابات الأولية، أن هناك هبّة شعبية ضد «السيستام»؟ ليس بمعنى الهبة الشعبية التي تحدث تغييرا لافتا في المشهد السياسي أو تقوضه ولكن هناك كتلة تاريخية سوسيولوجية بصدد التشكل تريد أن تحسن المنظومة من الداخل. فجل المترشحين ملتزمون بتطبيق الدستور واحترام أسس الديموقراطية. والذي حدث هو أن فاعلين جدد صمموا على أن تكون لهم بصمتهم في هذا « السيستام». تريد هذه الكتلة رفع لافتة « ضد السيستام» ولكنها في الأخير هي جزء من « السيستام» ومبدئيا لا يمكنها إلا أن تتعامل مع شروطه وإكراهاته. مقولة «ضد السيستام» هي فقط مقولة انتخابية تضمحل تدريجيا بمجرد وضوح المشهد السياسي. ● يبدو أنه ستكون هنالك تغيرات اجتماعية وسياسية وفق بعض التحليلات هل توافق هذا الرأي؟ لن نكون دقيقين إذا ذهبنا نحو فكرة التغيرات الاجتماعية والسياسية السريعة والمؤلمة ربما والتي يمكن اعتبارها ثورة داخل الثورة. أولا لأننا لا زلنا ننتظر نتائج الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية ولا يزال المشهد البرلماني غامضا والذي على أساسه ستتشكل الحكومة. قد تكون هناك بوادر تحسين «السيستام» قد لا تتجاوز واجهته البلورية، إذ سيكون هناك صراع فاعلين حول المصالح وحول التوجهات وليس من السهل على القادمين الجدد مهما كانوا إزالة إرث من المحسوبية ومن الفساد ومن العلاقات الزبونية ومن ثقل الإجراءات ومن ترهل القوانين ومن تدخل مراكز النفوذ في توجيه السياسات العامة للدولة، دون أن ننسى طبعا المعطيات الإقليمية التي تحيط بنا. ● كيف سيكون هذا الحراك الاجتماعي؟ سيتواصل الحراك الاجتماعي إذا لم تكن هناك بوادر نتائج ملموسة على جميع الأصعدة وسيتواصل بنفس الوتيرة أو أكثر. فكلما هناك تجديد في الخطاب و في الأشخاص و في التوجهات هناك فترة انتظار ممزوجة بأمل في التغيير الإيجابي ولكن هذا الأمل يمكن وبسهولة أن ينقلب على أصحابه بمجرد اكتشاف أن الأمور لم تتغير و لن تتغير في المنظور القريب، وعندها تكون ردة الفعل أكبر سواء في شكل احتجاجات اجتماعية أو في شكل عقاب انتخابي كما حصل لمن كانوا في منظومة 2014. ● من خلال متابعتك للشأن العام والشأن السياسي والحزبي بالخصوص، هل من الممكن أن تحدث متغيرات على المشهد البرلماني؟ هذا ممكن جدا ويمكن رصده من خلال النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية. فالعائلة الوسطية الحداثية هي الآن بصدد لملمة شتاتها وهي لن تكون كما كانت في 2014 لأنه هناك صاعدون جدد على ركح المسرح البرلماني. وقد نواجه مأزقا فيه الكثير من التشتت الحزبي و السياسي داخل البرلمان يصعب معه تشكيل حكومة مستقرة وهناك من ذهب إلى إمكانية إجراء انتخابات برلمانية أخرى وهذا أيضا وارد مع مشهد أكثر سريالية عندما نفيق كل مرة على تشكيل حكومة جديدة ربما يفوق عددها الحكومات التي شكلتها منظومة 2014. إيمان عبد اللطيف