قد يكون السياسيون في واد والمواطن في واد اخر بشأن طبيعة ودور الحكومة المنتظرة فلا شك ان هناك رغبة لدى التونسيين في ان تكون لهم حكومة قادرة على حل مشاكلهم المستعجلة...باختصار حكومة ذات منحى اقتصادي واجتماعي ستسعى الشروق الى مناقشة اولوياتها على حلقات مع عدد من الخبراء... تونس الشروق: سألت نادل المقهى الواقع امام مقر الجريدة : ماذا ينتظر من الحكومة القادمة فقال لي « يا اخي، هذا سؤال باستطاعة طفل صغير ان يجيبك عنه وباستفاضة أيضا. هل هناك شخص في هذا البلد لا يعرف مشاكل التونسيين. نحن نريد ان تشتغل الحكومة بجدية على ملفات غلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين والبطالة وتحسين جودة الخدمات والنقل والصحة. وأتساءل: هل يتطلب تشخيص مشاكل المواطنين اللجوء الى خبراء. مشاكلنا تُرى بالعين المجردة لذلك شخصيا لا اجد أي مبرر للحكومات السابقة التي لم تنجح في حل مشكل واحد من هذه المشاكل. سياسيونا للأسف يتفننون في خلق المشاكل في ما بينهم وإضاعة الوقت في حلها. هذا كل ما جنيناه خلال السنوات الثماني الأخيرة على امل ان تنكب الحكومة القادمة على معالجة هذه المشاكل بجدية خلال عهدتها». لخص هكذا هذا النادل مقاربة المواطن العادي لما يجب ان يكون عليه عمل الحكومة القادمة وطبيعة دورها الذي لا بد ان يكون في صلب الاقتصاد الاجتماعي. غلاء المعيشة من الملفات المستعجلة التي تتصدر مشاغل التونسيين هو بلا شك ملف المعيشة وغلاء الأسعار وحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء، شمل ارتفاع الأسعار الكبير أساسا مجموعة التغذية والمشروبات بنسبة 7.7 % كما ارتفعت أسعار الملابس والأحذية ب 6.4 % والسكن والطاقة ب 4.2 % والاثاث والتجهيز المنزلي ب 6.9% والنقل 9.5 % كما زادت اسعار المرافق الخدمية في مجالات الصحة ب5.6% والترفيه والثقافة ب 7.6% والتعليم ب 7.2%.. كما يلاحظ تسجيل زيادة كبيرة في أسعار مجموعة التبغ والمشروبات الكحولية بلغت نسبة 12.7%. .على أن مجموعة الغذاء تحتكر النسبة الأعلى من مجموع استهلاك المواطن بلغت 28% و8.4% للملابس والأحذية و17% للسكن والطاقة و12% للنقل و5.6% للاتصالات و7% للأثاث والتجهيز المنزلي. هذا الارتفاع الصاروخي في أسعار المواد الاستهلاكية قابله تدهور خطير للقدرة الشرائية وهو ما حول الحياة في تونس الى ما يشبه لعبة الموت الروسية La roulette russe. القدرة الشرائية أكثر الخبراء تشاؤما يقدرون تدهور القدرة الشرائية للمواطن التونسي ب 88 بالمائة بين سنتي 2011 و2018. هذا الرقم كان قد كشف عنه أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي. ويعلل الخبير هذا الانهيار بانهيار الدينار وتراجعه مقابل العملات الأجنبية. وكحل لإعادة التوازن للقدرة الشرائية للتونسيين يقترح أستاذ الاقتصاد الترفيع في الاجر الأدنى من 700 دينار الى 1500 دينار. في المقابل، لا تعترف الحكومة التونسية بهذه النسب نافية على لسان وزير التجارة عمر الباهي تدهور القدرة الشرائية للمواطن بنسبة 40 80 بالمائة ولا حتى ب 40 بالمائة مثلما يتم ترويجه استنادا لدراسة علمية "غير جادة"، حسب وصفه. الى ذلك، اقرت الحكومة بارتفاع معدل التضخم بنسبة 47 بالمائة، في الفترة الممتدة بين 2010 و2018. إقرار يحمل في طياته ضمنيا اعترافا صريحا بتدهور القدرة الشرائية الى مستويات قياسية. وطبعا لم تنجح الحكومة في الحد من هذا الانهيار ولا في نسب التضخم وهو ما يحيل على الطابع الاستعجالي لهذا الملف في برنامج عمل الحكومةالقادمة. البطالة من المفارقات التي طبعت السنوات التي تلت انهيار نظام بن علي تكمن بلا شك في استحقاق التشغيل الذي ثار من اجله الشباب التونسي المعطل عن العمل. وعوض ان تعمل الحكومات التي تعاقبت على السلطة منذ 2011 على فتح هذا الملف بجدية والعمل على إيجاد حلول له فان الأوضاع تأزمت بل وارتفعت نسبة البطالة لتبلغ حدود الثلاثي الأول من سنة 2019، 15.3 في المائة. ووفق المسح الوطني حول السكان والتشغيل للثلاثي الأول من سنة 2019 الذي ينجزه دوريا المعهد الوطني للإحصاء، بلغ عدد الباحثين عن شغل 637.7 ألف عاطل عن العمل. الى ذلك، يعد حاملو الشهادات العليا الشريحة الأكثر تضررا من البطالة اذ بلغ عددهم الى حدود نفس الفترة 255.4 ألفًا. وبلغ عدد الباحثين عن العمل لدى الشريحة العمرية بين 15 و24 سنة، سجل المسح نسبة البطالة في حدود 34.4 في المائة. وتقدّر نسبة البطالة خلال الثلاثي الأول لهذه السنة لدى الذكور ب12.4 في المائة مقابل نسبة 22.6 في المائة لدى الإناث. التوازنات المالية مما لا شك فيه ان ازمة الاقتصاد التونسي تكمن في جزء منها في حالة الارتباك التي عليها التوازنات المالية للبلاد. وفي قراءة له لقانون المالية الأخير، يقول شكري الجلاصي عضو المكتب السياسي لحزب التيار الديموقراطي « تماما كما السنوات الماضية لم يتغير شيء في طريقة إعداد قانون المالية لعام 2019، وظلّت المقاربة المحاسبية هي الغالبة إجمالا في صياغة مشروع القانون إذا ما استثنينا تنزيل بعض المعايير التي يشترطها الإتحاد الأوروبي مثل الضريبة على شركات الأوفشور وتوحيدها مع ضريبة الشركات المحلية، في حين أنّ المتعارف عليه أنّ قانون المالية يعكس السياسات العامة للدولة لتطوير الواقع الإقتصادي والإجتماعي ودفع نسق النموّ وخلق مواطن الشغل وتحسين الواقع المعيشي للمواطن عبر إجراءات وآليات مرتبطة بالإصلاح الجبائي والإستثمار العمومي والإنفاق العام. فما احتواه مشروع قانون المالية 2019 لا يعكس رؤية وتصوّر إستراتيجي وخطّ ناظم يربط بينها في إتجاه بوصلة واضحة لمعالجة مكامن الأزمة الإقتصادية والإجتماعية الراهنة التي تعيش في حلقة مفرغة ناتجة عن تفاقم العجز التجاري الذي بلغ 16 مليار دينار في موفى أكتوبر 2018 وتدهور العجز الجاري (8,2% لحد سبتمبر 2018 حسب البنك المركزي) مقارنة بالسنة الفارطة وتدهور سعر صرف الدينار ممّا أدّى إلى إرتفاع المديونية العمومية وإرتفاع قياسي غير مسبوق لنسبة التضخّم وإنكماش الإستثمار أهمّ محرّكات النموّ الإقتصادي. « وتبقى كذلك ملفات الصحة وحسن التصرف في الثروات الوطنية والصحة والنقل وجودة الخدمات من الاولويات التي ينتظر المواطن التونسي ان تنكب على معالجتها الحكومة القادمة وهو ما ستناقشه الشروق على حلقات مع الخبراء والمختصين. مقاربة محاسبية «تماما كما السنوات الماضية لم يتغير شيء في طريقة إعداد قانون المالية لعام 2019، وظلّت المقاربة المحاسبية هي الغالبة إجمالا» «أكثر الخبراء تشاؤما يقدرون تدهور القدرة الشرائية للمواطن التونسي ب 88 بالمائة بين سنتي 2011 و2018».