نقص فادح للمدرسين. .. مستشفيات دون ممرضين... شغورات بالآلاف في قطاعات حساسة تعاني من تدهور الخدمات في الوقت الذي تعاني فيه تونس من تضخم كبير في عدد الموظفين. تونس-الشروق : رغم تضخم عدد الموظفين والأعوان العموميين إلا أن العديد من القطاعات الحيوية تعاني نقصا في عدد العاملين فيها بشكل جعلها شبه معطلة، شغورات بالآلاف في قطاعات التعليم والصحة والنقل بلغ عشرة آلاف في قطاع التعليم الاساسي وستة آلاف في التعليم الثانوي وقرابة العشرين ألفا في المستشفيات. ولا يعود سبب هذا الكم الهائل من الشغورات الى إيقاف الحكومة للانتدابات فقط بل ان الامر يعود كذلك الى عدم تعويض آلاف الموظفين الذين يحالون سنويا على التقاعد لتبقى مراكزهم شاغرة في انتظار فتح باب الانتداب. هذه الوضعية أثرت سلبا على قطاعات حساسة أهمها قطاع الصحة العمومية حيث تعاني المستشفيات من نقص كبير خاصة في سلك أعوان التسيير مثل الممرضين والعملة، وكذلك هو الامر بالنسبة للمدارس الابتدائية والاعدادية والمعاهد الثانوية التي حرم فيها مئات التلاميذ من حقهم في دراسة بعض المواد الاساسية نتيجة نقص إطار التدريس من معلمين وأساتذة علاوة على الاكتظاظ الحاصل داخل الاقسام وما له من تأثيرات سلبية. ورغم إلحاح الوزارات المعنية بتمكينها من ميزانيات تكميلية لتجاوز مشاكلها الا ان الحكومة لا تزال تصرّ وتتمسك بغلق باب الانتدابات ورفض تعويض المتقاعدين وهي معادلة صعبة دفعت النقابات الى التحرّك والمطالبة بفتح باب الانتداب رغم توصيات صندوق النقد الدولي للحكومة التونسية بالتخفيض من كتلة الاجور التي تجاوزت حجم 40 % من الميزانية العامة. الشروق تحدثت الى بعض نقابات هذه القطاعات الحيوية التي تعاني من شغورات بالآلاف حيث أكد الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي الاسعد اليعقوبي ان أزمة الشغورات في التعليم أزمة أزلية باعتبار ان الحكومات المتعاقبة قبل الثورة وبعدها كانت تذهب الى معالجات ضرفية وأحيانا منافية حتى لقوانين الشغل المحلية والدولية، بالاعتماد على صياغة التشغيل الهش. جريمة دستورية وأضاف اليعقوبي ان الأزمة تفاقمت بعد دخول الحكومة الحالية في الالتزامات مع البنك الدولي وصندوق النقد وإغلاق باب الانتداب لمدة تقارب الأربع سنوات (منذ سنة 2015) ما خلق نقصا فادحا في إطار التدريس بلغ حد الجريمة في قطاع التعليم الابتدائي الأكثر تضررا من سياسة غلق الانتدابات حيث فاقت الشغورات العشرة آلاف حسب الوزارة و15 ألف حسب النقابة وهو ما انعكس سلبا على واقع التربية في تونس. وأوضح الكاتب العام لجامعة الثانوي ان الحكومة إضافة الى التشغيل الهش عبر آلية النواب اعتمدت الى الضغط على الموازنات وعدد التلاميذ داخل الأقسام حيث بلغ المعدل العام في الثانوي ما يقارب الأربعين تلميذا داخل القسم الواحد والضغط على الموازنات بإثقال كاهل المدرسين بالساعات الإضافية، ورغم ذلك تسبب هذا النقص في بقاء التلاميذ في مواد معينة من دون مدرسين طيلة سنة دراسية كاملة في مواد أساسية كالعربية والاقتصاد. وفي هذه السنة ورغم الانتدابات التي حصلت لخريجي 2017، يضيف اليعقوبي الا ان المؤسسات التربوية لازالت تعيش نقصا كبيرا في بعض المواد الاساسية وهو نقص سيتفاقم مع صدور الامر الخاص بتقاعد المدرسين والذي سيمكن عدد مهم منهم من الحصول على التقاعد على قاعدة 57_35 وهو ما يؤشر بوصول المدرسة التونسية الى حالة خطيرة تستهدف ما تبقى من جودة التعليم فيها ويدفع بالمدرسة العمومية الى حالة العجز او الاكتظاظ الغير مسبوق. وقال الاسعد اليعقوبي ان كل هذا انعكاس للسياسات اللاشعبية والفاقدة لأي عمق اجتماعي مؤكدا ان قطاع حيوي واستراتيجي كالتعليم من انتداب حاجياته يعد جريمة دستورية. شغورات ومعالجات خاطئة وأضاف اليعقوبي ان حاجيات المدارس الاعدادية والمعاهد الثانوية طيلة العشرين سنة الاخيرة تتراوح بين 1500 و2000 استاذ سنويا واعتبارا الى ان عدد التلاميذ في تزايد فان غلق الانتداب في الخمس سنوات الاخيرة يؤدي نظريا الى نقص لا يقل عن 6000 مدرس. ولكن المعالجات الخاطئة التي تعتمدها الوزارة بالضغط على الاهرامات وعلى موازنات المدرسين هي الاداة التي اعتمدت لطمس هذا النقص على حساب مردودية العملية التربوية. ومع ذلك يقول اليعقوبي تبقى معاهدنا الى حد الآن في حاجة ماسة الى مئات المدرسين لسد الشغورات التي عجزت الوزارة الى حد الان على سدادها مشيرا الى ان الحكومة القادمة ستكون في احد الوجهين اما انها ستواصل سياسة الحكومة السابقة وهو الأقرب نظريا وهذا يعني استمرار الجريمة في حق المدرسة وفي حق أبناء تونس في تعليم جيد ونوعي ومنصف، واما حكومة على قاعدة توافق حقيقي ووطني وهذا يعني ان عليها ان تتمرد على املاءات صندوق النقد الدولي وان ترتقي بملف التعليم الى الأوليات الاستراتيجية وهو ما يعني تخصيص الاعتمادات المطلوبة لا للانتدابات فقط وإنما للشروع في عملية إصلاح عميقة لمنظومة تربوية تحتضر. القطاع الصحي مريض من جانبه انتقد عضو الجامعة العامة للصحة عبد الفتاح العياري حجم الشغور الحاصل في أغلب المستشفيات وفي مختلف الأسلاك داعيا الى ضورة اتخاذ اجراءات عاجلة لسد النقص الحاصل في القطاع الصحي وخاصة بالأقسام الاستعجالية. وأشار عبد الفتاح العياري الى ان عدد الشغورات الحالية على مستوى الاطارات شبه الطبية والادارية والعملة بمختلف المؤسسات الصحية العمومية تقارب 20 ألف منصب شاغر وفق ما أعلن عنه الوزير السابق للصحة عماد الحمامي، مضيفا ان قرابة 4500 إطار شبه طبي احيل على التقاعد خلال سنوات 2015 و2016 و2017 دون ان يقع تعويضهم وهو أمر على غاية من الخطورة لما له من تأثيرات سلبية على مستوى الخدمات الصحية المقدمة للمرضى على حد تعبيره. وأضاف عضو جامعة الصحة ان الواقع المريض للصحة العمومية جعل الاطارات الطبية وشبه الطبية تطلق سفارات الانذار في مناسبات عديدة منبهة الى الواقع الصحي المتدهور الذي تعيشه أغلب المؤسسات الصحية العمومية سواء في قلب العاصمة أو خارجها وتراجع مستوى الخدمة الصحية المقدمة للمرضى وغياب أرضية عمل مناسبة نتيجة الاكتظاظ داخل الأقسام الذي يقابله نقص فادح في الاعوان. وقال عبد الفتاح العياري ان فتح باب الانتداب في قطاع الصحة بات ضرورة ملحة لا تقبل مزيد التأخير داعيا الحكومة القادمة الى النهوض بالقطاع الصحي العمومي الذي يعاني مرضا مزمنا طال انتظار معالجته وجعله من أولويات عملها.