لئن كذّبت السلط الرسمية مطلع الأسبوع الماضي الشائعات الرائجة حول عودة الإرهابيين التونسيين من تركيا، فإنّ ذلك لا يقللّ من أخطار هذا الملف الذي تؤكد المتغيرات الاقليمية فتحه آجلا أم عاجلا. فكيف السبيل الى تحضير البلاد لمعالجة هذا الملف الخطير في إبانه؟ تونس – الشروق : أعاد حديث وزير الداخلية التركي «سليمان صويلو» بشأن ترحيل الارهابيين الى بلدانهم الاصلية السجال من جديد بشأن هذا الملف الدولي المتشعب. حيث رافقته انتشار شائعات تحدثت عن عودة 460 ارهابيا إلى تونس قبل ان تنفي وزارة الداخلية هذه الاخبار. وينفي بدوره سفير تركيا في تونس علي «اونانير» عودة مقاتلين تونسيين من تركيا ينتمون إلى تنظيمات إرهابيّة أو شاركوا في عمليّات ذات صبغة إرهابيّة ببؤر التّوتّر، مطلع الاسبوع المنقضي. فهل أن دحض الشائعات فحسب يزيح المخاوف؟ قياسا بالمتغيّرات الاقليمية الجارية بنحو متسارع تتعزز فرضية عودة الارهابيين الى أوطانهم من فترة الى اخرى. حيث أن معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى قد رجح أن يتناول اجتماع «التحالف العالمي لهزيمة تنظيم «داعش» في واشنطن مسألة ترحيل الارهابيين بأكثر عمق. فكيف يمكن لتونس أن تستعد على اكمل وجه لمعالجة هذا الملف الشائك؟ تحديات أمنية يجمع خبراء المجال، ومجمل الدراسات الاستراتيجية على أنّ بلادنا مدعوة الى تحضيرات أمنية وسياسية وتشريعية وفكرية واجتماعية فضلا على استعدادات أخرى لوجستية لتفادي الاخطار. ومن التحضيرات الامنية المستوجبة التي يطبق جزء منها في تونس على غرار المراقبة الادارية واحكام الرقابة على كافة المطارات الدولية والموانئ والمعابر ، ومزيد تكوين الامنيين لمجابهة اساليب الخداع التي يسلكها الارهابيون، فضلا على توفير العتاد الكافي وإحكام التّواصل والتّنسيق بين القضاء وبين أجهزة الأمن. كما يطرح ملف عودة الارهابيين تحديات كبرى على الدولة تهم بالأساس السؤال عن وجود استراتيجية وقائية وتهيئة الجهات القضائية والأمنية والمؤسسات السجنية لحسن إدارة هذا الملف ذي الكلفة المادية العالية الى جانب إيجاد برامج اجتماعية وتأهيلية ترعاها الدولة تفاعلا مع واقع مفروض. رهانات السياسة الخارجية والتعاطي مع ملف عودة الارهابيين لا ينبغي له أن يجري بمعزل عن تفرعاته الاقليمية والدولية. حيث أصبحت تونس أكثر من أي وقت مضى مدعوة الى تكثيف التنسيق الأمني مع الدول التي مثلت بؤرا للقتال والدول المجاورة لها لتوفير قاعدة بيانات محينة تساعد في عملية تبادل المعلومات. كما أن الهاجس الارهابي الذي يهدد جل أقطار العالم عامل مساعد على تنفيذ خطط أمنية مشتركة ثنائية وإقليمية وعلى توفير الدعم المادي لتشييد فضاءات لاعادة تأهيل الارهابيين أو لتعبئتهم في انتظار محاكمتهم وجمع كل المعطيات بشأنهم. تحديات تشريعية ويرى الملاحظون أن حسن الاستعداد لملف عودة الارهابيين يفرض ايضا مراجعة قانون مكافحة الارهاب في سياق مواكبة المخاطر المتغيرة وتعزيز تشريعات أخرى تسهل عملية الفصل بين سجناء الحق العام و سجناء الجرائم الارهابية فضلا على سن قوانين تسرّع في عملية رقمنة الادارتين القضائية والامنية واعطائهما الاولية في هذه المشاريع قصد إعداد قاعدة بيانات مركزية بشأن المتورّطين في أنشطة ذات صلة بالإرهاب لتتبعهم بشكل سريع. تحديّات اجتماعية ثقافية ولما كانت نجاعة معالجة الملف الارهابي تتجاوز حدود المقاربات الامنية والتشريعية، فإن الحاجة الى المقاربة الاجتماعية الفكرية ماسّة جدا في سياق التعاطي القويم مع ملف عودة الارهابيين قصد صياغة برامج التأهيل النفسي والاجتماعي. فهؤلاء الإرهابيون الذين تمت "دمغجتهم" على القتل والذبح وعلى التشويه الممنهج للاسلام من الناجع فصلهم عن المجتمع ،وإخضاعهم الى برامج محترفة في إعادة التأهيل النفسي ومراقبة قدرتهم على الاندماج في المجتمع قبل المخاطرة بوضعهم خارج السجون إثر انتهاء العقوبات السجنية. صعوبات كبيرة يرى الخبير الأمني علي زرمديني في تصريحه ل››الشروق›› أن بلادنا انخرطت في جدال عقيم في السنوات الماضية حول مشروعية عودة الارهابيين من عدمها، بدلا من الاستعداد لذلك على أكثر من مستوى بدءا بالجانب التشريعي الذي يستوجب التعمق في قانون مكافحة الارهاب لإضفاء طابع زجري على التعامل مع الإرهابيين. وفي سياق المقاربة الأمنية للتوقي من مخاطر فرضية عودة الارهابين مستقبلا تبرز جملة من النقائص.حيث يلاحظ الزرمديني غياب البنية الأساسية السجنية الملائمة للتعاطي مع الملف بالنجاعة المرجوة والفصل بين سجناء الحق العام وسجناء الجرائم الارهابية ، فضلا على انشغال القطب القضائي لمكافحة الارهاب بكم هائل من القضايا. وكل ذلك يستدعي ضرورة ملحة للانكباب على الملف بجدية قبل فوات الأوان. مجلس الأمن القومي مطالب بالتحرك استعدادات الدولة للتعاطي مع هذا الملف الاقليمي والدولي من المفروض أن يتصدّر جدول أعمال مجلس الأمن القومي القادم وفق المحلل السياسي المتخصص في المسائل الأمنية علية العلاني الذي يشدد على عدم الاقتصار على المقاربة الامنية الصرفة. ويرى العلاني في تصريحه ل››الشروق›› أن تونس مطالبة أولا بإحكام التنسيق الأمني خاصة مع ليبيا وسوريا والعراق لتكوين قاعدة بيانات محينة تمهد للتعاطي الجيد مع الملف، ومن ثمة تكوين فريق عمل مشترك يهتم بالتأهيل الفكري والنفسي والاجتماعي للعائدين من بؤر التوتر وذلك تزامنا مع توفير فضاءات خاصة لإعادة التأهيل. المقاربة الأمنية هي الأساس يبرز المختص في علم الاجتماع الطيب الطويلي في تصريحه ل››الشروق›› أن التعامل مع الارهابيين العائدين هو تعامل مع أناس أقيمت معهم مختلف مراحل الاستقطاب التي يعتمدها منظرو التنظيمات الجهادية. وعُبئت في أدمغتهم أفكار من الصعب أن تمحى. ويرى المتحدث أن إرجاعهم إلى تونس ومحاولة إدماجهم في المجتمع سيكون مثابة إدخال الثعبان في المخدع، لأنهم مؤهلون نفسيا لأبشع الجرائم. وحتى إذا أظهروا اندماجا وبدا أنهم متوائمون مع المجتمع التونسي، فهم في الحقيقة ينتظرون الفرصة. وبالتالي فإن المقاربة الأمنية هي أساس الانطلاق وفق الطيب الطويلي.