واضح أن مخاض تشكيل الحكومة الجديدة هو مخاض صعب وواضح أن ولادة حكومة جديدة تحظى بالدعم القوي وبالحزام السياسي الضروري لاستمرارها ستكون ولادة عسيرة. وسط هذه المعادلة يبدو رئيس حكومة المكلّف مطالبا بتدوير الزوايا لتقريب وجهات النظر وإيجاد قواسم مشتركة.. وهي قواسم تتطلب «إبداعات بهلوانية» تجمع ما لا يجمع.. وتمكّن من التوليف بين المتضادّات.. لإخراج المشاورات من دائرة المحاصصات المدمّرة إلى أفق التجميع حول ما ينفع الناس وحول ما يمكن أن يصلح أمور البلاد والعباد. وفيما يغرق فرقاء الساحة السياسية في المناكفات والتجاذبات.. وفيما يستمّرون في المزايدات وفي حسابات الربح والخسارة وحروب التموقع تتصاعد حيرة المواطن إزاء غد لم ترتسم بعد ملامحه. وإزاء مقدرة شرائية تزداد هزالا وتآكلا وإزاء تشاؤم ما انفك يستبد بالنفوس في غياب أمل يمكّن من رؤية النور في نهاية النفق.. أمل يصبح معه التفاؤل ممكنا برؤية الطبقة السياسية تعدّل بوصلتها على انتظارات ومشاغل الناس.. وتوحد الصفوف والجهود لإنقاذ البلاد من انهيار تكدست مؤشراته ونذره وبات يهدّد استقرار البلاد. ولعلّ الأصوات التي بدأت ترتفع في الفترة الأخيرة للتحذير من مثل هذه السيناريوهات المرعبة ومن سقوط البلاد في دائرة الفوضى.. والأصوات التي تحاول دق نواقيس الخطر قبل حصول المحظور (لا قدر الله) ليست أصواتا عبثية ولا صادرة من شخصيات عدمية.. بل هي أصوات صادرة عن سياسيين عقلانيين سياسيين على علم ودراية بواقع الهوة التي تفصل بين المنخرطين في مشاورات تشكيل الحكومة وحقيقة الصراعات التي يخوضونها والمصالح التي يرومون تحقيقها وبين خطورة أوضاع البلاد وما تتطلبه من برامج إنقاذ حقيقية كان يفترض أن يتوافق عليها الجميع.. وأن يعملوا على التخلص من أنانياتهم المتضخّمة والتعجيل بالتوافق عليها والانصراف إلى وضع هذه البرامج موضع التنفيذ عسانا نتدارك ما فات ونفلح في إنقاذ البلاد من حافة الهاوية. إن المنطق السليم يقتضي التعجيل بالخروج من دائرة التمطيط والاغراق في الجدل. وهو ما يضع كل الأطراف أمام ضرورة الانكباب على التعجيل بتشكيل حكومة حول مهمة واضحة تتمثل في إنقاذ البلاد وفق برنامج واضح المعالم ومضبوط بآليات ومواعيد محددة يمكن أن يحظى بدعم حزام واسع من الأحزاب ومن المنظمات الوطنية.. ويمكن أن يبعث برسالة أمل وتفاؤل إلى كل التونسيين تكون قادرة على تعبئتهم وتحفيزهم للعودة إلى العمل والكدّ وتقديم اسهامهم الفاعل في إنجاح برنامج الانقاذ الحكومي. الفترة دقيقة جدا وحسّاسة، وهي تتطلب وعيا عاليا وحسّا وطنيا قادرا على الارتقاء إلى مستوى التحديات. كما تتطلب تشبعا بروح المسؤولية يكون كفيلا بإنهاء هذا الجدل وإعادة الناس للعمل.