«العراف» و«الشوّاف» و«العزّام» و«الكتّاب» و«التقازة» وان تعددت التسميات فان الصورة تبقى واحدة لأناس يستغلّون اما سذاجة البعض وجهلهم أويأسهم واحباطهم, وربما شغفهم باستخراج الكنوز . مكتب ا لقيروان (الشروق) "الشروق" حاولت اقتحام العالم السري للعرافين في جهة القيروان ...في رحلتنا الميدانية التي أخذنا فيها جميع الاحتياطات ، قطعنا مسافات سيرا على الاقدام , في مكان خال من أي ساكن عدا منزل وقبة في طور البناء شبيهة بقبة ولي صالح استقبلتنا سيدة اعلمتنا لاحقا انها زوجة العراف . جلسنا في انتظار دورنا الى حين مغادرة حريفتين جاءتا من ولاية مجاورة...دخولنا سبقته محادثة مع الزوجة التي أمطرتنا بوابل من الأسئلة حول الزواج والمكتوب والانجاب لتفيدنا ان زوجها يمتلك "الحكمة" ومرتادوه من تونس وخارجها بل انهم من جميع الطبقات والمستويات دون استثناء الدور حان لندخل غرفة "سيدي الشيخ" وقد افترش حصيرة وأحاط به مجموعة من الكتب القديمة جدا تناثرت اوراقها عليها ..رموز وعلامات لا يفهمها الا ممتهنها ..."اسمك واسم امك" ؟ لديك "التابعة" و"القرينة" و"العكس" اختاري أيهما تودين علاجها.. كان يجيب بكلمات متقطعة وخاطئة يجمع ويطرح خطأ ثم يتدارك ويقتنص من اجاباتي حول معطياتي الوهمية فتيل كلمات لينسج عليها بتمتماته غير المفهومة وكأنه يستحضر شيئا ما ليخبره الغيب. الشيخ(أ) يجيبك ان الغيب لا يعلمه الا الله مستدلا بآيات قرانية ومع ذلك فالكتب التي وقعت عليها اعيننا هناك لم يكن من بينها ولوكتاب قران واحد عدا ماهومختص في الطلاسم والسحر والجلب و"الرفع" و"النصب" , ولكن لوكان يعلم الغيب كما يدعي وله من القدرة الخارقة لكان كشف "لعبتنا" تحرّش جنسي بدعوى استخراج الجن فضائح ماخلف الابواب الموصدة للعرافين كثيرة , وهذه حقيقة أخرى للعراف(م.م.خ) والذي يمارس كل طلاسمه وسحره بغرفته المظلمة التي ترتادها نساء وفتيات يسعين لتغيير واقع اوالتخلص من وضعية ما ... (هناء .ج) روت حكايتها التي أكدت فيها تعرضها للتحرش الجنسي من قبل احد العرافين قائلة" لقد أعلمني ان سبب تعثر حياتي وعزوفي عن الزواج رغم تقدم البعض هو"الجنّ العاشق" ...وادّعى علاجي بالرقية الشرعية في بادئ الامر ليتدرّج في مناسبة علاج ثانية مختليا بي من دون والدتي وملامستي وهويدعي انه يعالج أجزاء حساسة من جسدي لم اعرها اهتماما في الأول ليشترط لاحقا ان يعاشرني معاشرة الرجال بدعوى استخراج الجنّ" المتاجرة بآلام الناس وجهلهم جميلة ، فتاة بلغت من العمر ال50 ولم تتزوج وجدناها لدى أحد "الوقاعات" بمنطقة الباطن ،من منطلق حديثها الينا عن تجربتها يمكن وصفها "بالمدمنة " على عالم العرافين ، باعت كل ما تركها لها المرحوم والدها علها تظفر بعريس ولكن دون جدوى، فالمرأة يعشش بفكرها وجود سحر قائلة "وجدته امام منزلي ورأيت بأم عيني أظافر وشعرا وكتابا قديما" داخل حبة زبيب استخرجتها ال"الوقاعة" التي نصحني أحد العرافين بالتوجه اليها ". «الجن اليهودي» ! العم محمد أصيل حفوز يقول :"حالة ابني مستعصية لأنه يعاني من مسّ حسب ما ردده اغلب من زرتهم من العرافين ،انسدت الأفق امامي بعد فشل الأطباء في علاجه ووجدت نفسي انفق أكثر من أي شيء المهم أن يتعافى , وكنت أضطر الى جلب شيخ من ولاية اخرى لعلاجه لكن مع ذلك لم يتعاف بشكل نهائي لان معه "جن يهودي" , ووجدت نفسي كمن يسكب الماء في التراب لأنني تقينت ان كل ما يؤتونه دجل وشعوذة ونهب للمال.ولكن يا للمفارقة المضحكة فالعم محمد لا يزال يلجا حسب قوله اليهم طمعا في "حرز" قد يسهل تجارته اويقطع"تابعته". استخراج الكنوز هذه المسالة تحولت الى تجارة بالنسبة للمشعوذين والدجالين وتمطر ذهبا سيما اذا تعلق الامر باستخراج الكنوز وبث الوهم بوجود "مالية بضيعة هذا اومنزل ذاك سبيله في ذلك خزعبلات بالملايين والمئات قد تؤول نهايتها الى افلاس العديدين وتفكيك العائلات وهوما وقع لرمضان (52 سنة) الذي قضى سنوات في محاولة استخراج كنز اوهمه احدهم بوجوده ليلهف منه مبالغ هامة ويغلق هاتفه ويختفي. احباط وانسداد للأفق، جعل من عيناتنا يجدن في العراف ومشتقاته نوعا من التعويض والهروب إلى الأمام في غياب المواجهة ومقاومة التحديات ممثلة أساسا في كثير من القضايا الاجتماعية كالعنوسة والفشل في المشاريع التجارية , أواختلال العلاقة الأسرية بسبب الطلاق والخيانة والبحث عن الكسب السريع وغيره ما يدفع بالفرد إلى الارتماء في أحضان السحر والشعوذة. الفقر النفسي والثقافي والحضاري الباحث في علم النفس الاجتماعي علي المحمدي اكد ان عقلية اللجوء إلى الشعوذة ليست حكرا فقط على الأميين أوالفقراء بل إن نسبا عالية من المتعلمين وخريجي الجامعات وأصحاب الأعمال هم أيضا من رواد المشعوذين والدجالين. والالتجاء إلى السحر مؤشر على الفقر النفسي والثقافي والحضاري أكثر منه مؤشرا على التهميش الاجتماعي والاقتصادي، والدليل على ذلك أن شخصيات عامة ومشاهير وأثرياء يقصدون باستمرار العرافين . وبحسب تفسيره فان الأرقام تؤكد ان عدد المشعوذين والدجالين يفوق عدد الأطباء في البلاد مشيرا ان مجموعة من الدراسات تؤكد أن النسبة التي تُقبل على السحر والشعوذة هي من النساء باكثر من 70 % من مرتادي المشعوذين وحتى من النساء المثقفات بنسبة مرتفعة أيضا...فالتعليم قد يؤدي إلى الحصول على شهائد واحتلال مواقع اجتماعية وهذا أيضا من الأسباب التي تدفع بالنساء حتى المثقفات للعراف في غياب الطمأنينة النفسية و الاستقرار العائلي بسبب استعمال الرجل للسلطات التي يخوِّلها له الشرع والقانون من خلال ممارسة الطلاق والتعدد وإهمال الأسرة. كما يفسر ذلك أيضا بارتفاع نسبة العنوسة والرغبة في البحث عن الزوج أوالرغبة بالاحتفاظ بالزوج، كل هذه الأشياء تدفع المرأة إلى السقوط في أحضان السحرة باعتقاد خاطئ بأنه وسيلة لامتلاك سلطة مفقودة أولترميم كرامة مهضومة . الدولة شريك متواطئ ولئن كان الجهل وانتشار الفقر وضعف الوازع الديني الحقيقي من أسباب تعميق الظاهرة الا ان الدولة تعتبر شريكا متواطئا بحسب بعض الآراء في انتشار المشعوذين من خلال الاعتراف بهم تحت مسمى عالم روحاني وفلكي لتفتح لهم أبواب التغلغل اكثر وكله بالقانون وبمقتضى "الباتيندة" تجد نفسك عالما روحانيا معترفا به وبالبنط العريض . كما نجد العديد من القنوات الفضائية اوبالأحرى كما سماها علي المحمدي "فضائحية "الخاصة بإشهارات الشعوذة والدجل وذلك لأسباب ربحية اذ تدر هذه التجارة ارباحا طائلة وتمكنت ايضا من استغلال التكنولوجيات الحديثة من انترنات وهواتف ذكية للانتشار . فالاقبال على هذه الظاهرة والاعتقاد فيها لا تفرق بين رجل اوامرأة ولا بين فقير اوغني ولا مثقف اوجاهل ولا مشاهير اوبسطاء ما يفسّر أن سلطة تتملّك مجتمعنا شبيهة بكيمياء غير مفهومة وان وجدت لها بعض المداخل للتفسير, فانها تبقى مسألة عصية عن الاجتثاث نظرا لالتصاق هذه الظاهرة بفهم مغلوط للدين والتدين أولا ولغياب الوعي العميق ثانيا مع الحاجة الى المصالحة مع الواقع.