باستقالته، كشف العذاري انه غير راض عن المسارات، بل وعلى "قائد سفينة" مكلف لم ير فيه ربانا صلبا يعي حركة المد والجزر، وطول الصواري وقوة الأشرعة، بل وعمق بحر السياسة وسرعة رياحه المتقلبة وقوة التيارات والائتلافات والكتل والأحزاب.. الجملي، وحسب العذاري، ليس هو "الكابتن" الخبير بالبحر وتقلباته، لكنه مع ذلك هو خيار النهضة التي لم تفز بأغلبية مريحة وتحرص مع ذلك -في تقديره- على التوغل ورفع الأشرعة عاليا "بسفينة الجملي" التي قد تميل إلى هنا وهناك حسب ثقل الراكبين ووزن كتلهم .. والحريصين على خرقها.. النهضة حسب العذاري هزها الكبر والزهو بالفوز، فرفعت الصواري والأشرعة وألقت بالشباك مغمضة العينين في بحر عميق لتغنم مجلس الشعب ورئاسة الحكومة بربان لم يخبر بحر السياسة، تصارع به أمواج الأحزاب العاتية، وصخور الكتل الصلبة الحادة المكابرة .. نص استقالة "زياد " ربما لم يقنع الكثيرين، لكن ابن النهضة و" فيترينته " كحزب مدني، أتى على نقاط هامة لها علاقة بالمشاورات الماراطونية التي يجريها رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي الذي لا يتحدث كثيرا، وإذا تحدث عوّم ووسّع كما وسّع دائرة مشاوراته ربما في انتظار تعديل البوصلة في الاتجاه الصحيح .. العذاري، خبر الحكم وجربه من موقع الوزارة، والحكم على نجاحه من عدمه ليس بالأمر الهين، فالوضع الذي مرت وتمر به البلاد يصعب معه الحكم على أداء أي وزير في ظل الإكراهات الداخلية والخارجية، فالمرحلة الانتقالية تستوجب تغيير المسالك والطرقات مع تغيير وجهة السير في مسالك ليست معلومة، والإصابة والخطأ علامتان لا يمكن الفصل بينهما في بداية قطع طريق يتلمس سالكه طوق النجاة بين الحنايا والمنعطفات المظلمة. لكن الواضح ان العذاري الذي خبر المسؤولية وبات ملما بإكراهاتها وصعوباتها، بل وربما كان حريصا على حقيبة من حقائبها لم "يستطع مع الجملي صبرا"، ومع النهضة تحملا وتجلدا، بل سارع بالاستقالة من منصبه الحزبي وعضوية المكتب التنفيذي، ليقول " إني بريء مما تعملون".. قد يكون العذاري حسب أنصار النهضة أخطأ مرتين : أولا في التعجل بالاستقالة دون صبر على الجملي، وثانية في تمسكه بالاستقالة رغم عدم قبولها من راشد الغنوشي "رأس النهضة الحكيم المدبر" الذي يعي أن الحركة في غنى في هذه الفترة عن كل ارتدادات داخلية، وهي التي تعاني أصلا من الهزات الخارجية.. استقالة زياد العذاري خسارة بكل المقاييس لحركة النهضة وللحياة السياسية الوطنية ككل، فالبلاد بحاجة إلى العذاري ومثله ممن راكموا رصيدا وتجربة سياسية ووزارية تحتاجها تونس اليوم أكثر من أي وقت مضى..