د. لطفي المرايحي رئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري جاء إلى السياسة من قطاع الطب. وهو يتعاطى مع الشأن السياسي ومع أوضاع البلاد بطريقة منهجية تعمد دقة التشخيص أولا. لذلك تأتي آراؤه صريحة وصادمة أحيانا. هو لا يلوك كلماته ولا يجامل حيث يجب الإصداع بالرأي والمواجهة بالحجة... وقد برز بالخصوص في المناظرة وفي الانتخابات الرئاسية وفي مشاورات تشكيل الحكومة التي وصفها بجلسات لشرب الشاي.. «الشروق» أجرت مع السيد لطفي المرايحي الحوار التالي: مضى أسبوعان على مشاورات تشكيل الحكومة، كيف تقيم مسار المشاورات خاصة وأنك كنت جزء منه؟ لقد كان هناك حيّز من الوقت لتمهيد الأرضية لهذه المشاورات وذلك باستغلال الوقت الفاصل بين إعلان نتائج الانتخابات وبداية المشاورات. وقد أجرت النهضة باعتبارها الحزب الفائز العديد من المشاورات واللقاءات بهدف تكوين حزام سياسي داعم للحكومة المرتقبة. لكن الشخصية التي وقع عليها الاختيار كانت شخصية مفاجئة. هذا ليس عيبا فقد تكون شخصية مغمورة لكنها حاملة لفكر ولتصورات. لكن عند لقائنا بهذه الشخصية ومع أنه ليس لدينا أي احتراز وتحفظ إلا أننا لم نلمس لديه تصورا نابعا من فكره وقناعاته ولا حتى تصورا يمكن اعتباره امتدادا لتلك الوثيقة الانشائية التي أعدّتها حركة النهضة. فإذا كان لا يملك رؤية ولا مشروعا فأي معنى لاختياره. ألا ترى أن هذا الكلام خطير؟ إذا كان لا يملك مشروعا يطرحه للتشاور فعلى الأقل انتظرنا أن يكون حاملا لتصور النهضة وإذا كانت النهضة لا تملك تصورا فما معنى أن تفوز أحزاب سياسية بانتخابات في تونس. وما معنى تنظيم انتخابات أصلا إذا كانت الانتخابات لا تتم على برامج لنجد أنفسنا بعدها مطالبين بالجلوس والبحث عن التوافق حول مشروع. الناخبون انتخبوا من وعلى أساس ماذا؟ أنت تعيد الكرة إلى ملعب العملية الانتخابية أساسا؟ إذا كنا سنجد أنفسنا أمام هذه الاشكالية فما معنى التمثيلية، وعمّ تعبّر أصوات الناخبين؟ عن أهواء؟ عن انطباع؟ عن تجييش؟ عن بروباغندا؟ لذلك إذن وصفت جلستك مع السيد الحبيب الجملي بأنها جلسة لشرب كأس شاي؟ حين تلتقي رئيس حكومة مكلف وتجد أنه لا يملك رؤية ولا مشروعا ويقضي الوقت في الحديث عن نفسه وعن مساره الاداري.. نحن نقبل به من الأساس لأنه يحظى بتزكية الحزب الفائز. لذلك فإن شرعيته هي من شرعية الحزب الفائز. مسألة الشرعية محسومة لكننا نحتاج إلى طرح وإلى رؤية. وقد ذكرته بأن الموضوع ليس موضوع شهائد علمية بدليل أن وزراء فرنسيين كبارا مثل ببير بيرغو فوا كان يملك شهادة كفاءة في الخراطة وروني مونوري كان مختصا في ميكانيك السيارات (وزير مالية جيسكار). وبعد هذا الشوط الذي قطعته المشاورات هل مازلت عند هذا الرأي وهذا التقييم؟ بعد اللقاء الأول تمّ الاتصال بي مرتان آخرها يوم الاربعاء. وكان الطلب عقد لقاءات أخرى للنظر في تشكيل الحكومة. لكنني أجبت بأننا في الاتحاد الشعبي الجمهوري غير معنيين بأن نكون داخل الحكومة. المهم أن نطمئن إلى أن البلاد تسير في الطريق الصحيح. لأن تقديرنا أن هذه من الفرص الأخيرة لكي نحقق انتظارات الناس نصالح الشعب مع الطبقة السياسية. اليوم منسوب الثقة في الطبقة السياسية وفي الهياكل مهترئة. الناس لم تعد تثق في الأحزاب ولا في المنظمات ولا في الاعلام. فما الذي سيمتص غدا غضب الرأي العام.. في كلمة لم نجد لدى السيد الحبيب الحملي ما كنا ننتظره من رؤية أو برنامح يمكن أن نتطارح حوله ونثريه برؤيتنا؟ وفق هذا الطرح تصبح المشاورات لتشكيل الحكومة مسألة أقرب إلى العبثية؟ الوثيقة التي يتحدثون عنها هي ديباجة وحتى مسألة الميثاق السياسي التي يتحدثون عنها نحن لا نحتاجها. نحتاج اليوم أن نقلل من الكلام وأن نذهب إلى رؤية اقتصادية واضحة وإلى العمل. الأزمة الاقتصادية الخانقة تحاصرنا وإذا كنا ننتظر بصيص أمل فسيكون في ميزانية 2021 لأي ميزانية 2020 ليس فيها أي هامش لدفع النمو وإنعاش الاقتصاد. إذن أنتم غير معنيين بدخول هذه الحكومة خاصة وأن الحديث عن الأسماء والترشيحات قد بدأ؟ اتصلوا بنا مرتان وأبلغناهم أننا غير معنيين بدخول الحكومة وإذا كنا سنصوت لأي حكومة تتقدم لنيل الثقة في مجلس النواب. فهذا موضوع مبدئي نرفض أن نتهم بتعطيل أو تأخير تشكيل الحكومة وبعدها نحاسب على النتائج. هناك مفهوم خاطئ يجعل البعض بتمترس في المعارضة ونحن نرفضه. البرلمان مكان لتعايش الأغلبية والأقلية ولحوار وإنصات الأغلبية للأقلية وإلا فما جدوى دخول الانتخابات والفوز بمقاعد. ما هو تصوركم لحكومة قادرة على تغيير أوضاع البلاد والعباد؟ الحكومة الجديدة لا تكون إلا اقتصادية ومن يحكم مطلوب منه أن يقول لنا على أي أساس سوف يحكم ومن أجل ماذا؟ هذه هي الحلقة المفقودة أراها حكومة تحمل منوالا تنمويا وطنيا يقطع مع عولمة الاقتصاد التي تنهار في العالم. لكن ماذا نفعل بحسابات ومصالح الأحزاب إذا كانت تمر قبل مصالح البلاد؟ حاولت أن أقرع ناقوس الخطر والدعوة إلى التعاطي الجدي مع الموضوع. ومع ذلك ينصب الحديث على المحاصصات والمواقع؟ يجب أن يفهم الجميع أن هذه هي آخر فرصة لإنعاش الأمل لدى الشعب. نحن أمام رئاسة جمهورية محدودة غير حاملة لفكر ولا لتصور. هذا ما نحن بصدد تبيّنه كانت لدينا هواجس أثناء الحملة الانتخابية وهذه الهواجس تتأكد يوما بعد يوم. اليوم كان يفترض أن نسمع صوتا لرئاسة الجمهورية كان يفترض أن نسمع صوت الرئيس ليرشد إلى سواء السبيل وينير المجتمع ويطمئن الرأي العام. لكن شيئا من هذا لم يحدث. هذه القناعة تشكلت لديك بعد لقاء رئيس الدولة؟ بل هي متشكلة منذ 2013 وهي تتأكد مع الأيام. لذلك حذرت مؤخرا من إمكانية حدوث فوضى عارمة في البلاد؟ إن غياب الأمل وانسداد الأفق يفضي إلى الإحباط وإلى التشاؤم وتراجع الانتماء الوطني. إذا لم تكن تملك موطئ قدم في الوطن فما معنى الوطنية بالنسبة لك، إذا أصبحت تشعر أنك لا تنتمي للمجموعة الوطنية فإنك ستقع فريسة لليأس وللإحباط. إذا كان أمل 2011 تبدّد وإذا كان الأمل تجدد بعد انتخابات 2019 رغم غياب البرامج وكل ما يمكن أن يقال ما الذي سيقنع المواطنين بمزيد الصبر، لتصبح كل الاحتمالات واردة. أي تشخيص تضعه لحالة تونس وأيّة وصفة تضعها للعلاج؟ في باب التشخيص: * ركودنا الاقتصادي متأت من أننا بلد نعيش على ما لا ننتجه ونعيش على أكثر من موارده. * اهتزاز في منظومة القيم جراء الأزمة الاجتماعية المنجرّة عن الوضع الاقتصادي فلا نحتفي لا بالعلم ولا بالمعرفة ولا بالثقافة ولا بالعمل. * تفشي آفات اجتماعية أساسها الفردانية ممّا أدى إلى إضعاف الانتماء الوطني وأصبح كل شيء مباحا ومتاحا خدمة للقيمة الوحيدة الموجودة وهي قيمة المال لتصبح المعادلة «معاك فرنك تساوي فرنك». والنتيجة أننا في ظل الدولة الرخوة التي يمكن فيها الحصول بالمال على كل شيء غير قانوني وغير مباح ولا يمكن فيها الحصول على ما هو حقك إلا بالمال كذلك وكلها أبواب مفتوحة للفساد. أما في باب المعالجة فهي اقتصادية أولا سياسة حمائية قطاعية ذكية اعتمادا على تطبيق القيمة المضافة الاجتماعية التي ستوفر موارد للدولة لنعتني أساسا بالتعليم وبالمعرفة ولتكون هناك سياسات تضامن اجتماعي تقوي النسيج المجتمعي وتخلق فرص تشغيل وتعيد إلى الصدارة الاهتمام بقيمة العمل وتفتح الأمل أمام الشباب وتقطع مع المنوال الاقتصادي المبني على المناولة وتبني منوالا يوفر فرص العمل لحاملي الشهائد العليا ويثمن الخلق والإبداع والابتكار والتطوير لمجابهة المنافسة. نحن البلد الوحيد في العالم الذي يقوم على مفارقة عجيبة مفادها أنه كلما زاد عدد شهائدك العليا زادت فرص بطالتك. هل أنت متفائل بإمكانية وصول هذه الوصفة؟ ليست لي ثقة في الطبقة السياسية أو لنقل في أغلبها على الأقل، الكل يطلب السلطة وهم غير مهيئين لممارستها لا فكريا ولا من حيث التكوين وامتلاك البدائل. هل أنت خائف على مستقبل تونس؟ أخاف أن يتواصل وضعنا الحالي وأن تسير أمورنا نحو مزيد التعفن لا وجود لأطروحات فكرية وانظر إلى منابرنا كم هي مخجلة وضعيفة. أنت لا تتابعها إذن؟ قليلا جدا، لقد نفرت التلفزة فالمستوى الثقافي والحوار لا يضيف لي شيئا. ماذا تقول للشباب الذي طال انتظاره؟ كان بودي أن أخاطبه بالأفعال وليس بالأقوال. شبابنا ملّ الكلام والوعود... وللمواطن التونسي الخائف والحائر والمتشائم؟ وضعنا الصعب ليس قدرا لكن الإشكال أن السلط السياسية العاجزة هي نتيجة خيارات المواطن التونسي يمكن أن ننهض بتونس معا مواطنين وحكاما شرط أن تكون اختياراتنا راشدة وشرط أن نخرج من دائرة أنانيتنا وننصهر في بوتقة المصلحة العليا لتونس.