على عكس أسلافه الذين يتخفّون وراء رداء الديقراطية والكلمات المنمّقة والعلاقات المزيفة ،خيّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشفافية في معاملاته وعلاقات بلده مع العالم أجمع منتهجا سياسة " البلطجة" على أصولها. على مر العقود التي قادت فيها الولاياتالمتحدة العالم الرأسمالي والى حد صعود ترامب إلى سدة الحكم،كانت العلاقات بينها وبقية العالم حتى الدول الأكثر ارتباطا معها، محكومة بشيء من الدبلوماسية والاحترام حتى وإن كانت العصا دائما موضوعة على الطاولة. هذه القيادة للعالم قولا وفعلا،أخذت منحى جديد مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض،حيث اختار أن يجسد العالم الرأسمالي الوحشي الذي يعتمد القوة كمعيار وحيد للوجود، بكل شفافية دون مراعاة لأي علاقات أو حقوق أو أوضاع إنسانية. فهو لا يخفي الجشع والغطرسة والتسلط ومنطق الغاب والبقاء للأقوى ولا يحرص على نيل مراده بالقنوات الدبلوماسية لحفظ ماء وجه الدول المستهدفة، بل على العكس يتفاخر ويتجاهر بذلك. ترامب ومنذ بدء عهده فعليا صال وجال وأدخل العالم في بلبلة،ابتز حلفائه وشركائه حتى المقربين منهم اوروبيا وعربيا والكلمة المفتاح:ادفعوا لتأمنوا. في عالم ترامب،عالم المال والأعمال هو الدين والهوية والتاريخ والحقوق والعلاقات لذلك لم يتوانى ولو لحظة وعلانية في طلب الجزية من دول الخليج وبكل أشكال السخرية بعد أن قلب الأوضاع القائمة في الشرق الأوسط رأسا على عقب. وبالشكل ذاته تقريبا فعل ذلك مع حلفائه في حلف الناتو وبقية الدول الأخرى، حيث كان منطق الغاب الذي يقوم على أمريكا أولا مادام هي الأقوى وبيدها كل الأسلحة. ومع أزمة كورونا التي عرت أكثر الحقائق واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في أمريكا المزمع إجراؤها نوفمبر المقبل،ازداد ترامب تكشيرا عن بلطجيته،فيفتكّ مواد طبية لأقرب حلفائه و يهدد آخرين بعقوبات قاسية وحتى بالحرب وشعاره الوحيد: الكل خادم لأمريكا...وإلا! وكما هو الحال مع منظمة العدل الدولية ومع منظمة الأممالمتحدة ومجلس الأمن وكل الهياكل الدولية التي وضعها السيد ترامب تحت قدميه، فإن الدور جاء على منظمة الصحة العالمية التي شن عليها هجوما حادا وهدد بقطع التمويل عليها في ذروة هذا الوباء. أهذا العالم المثالي حقا الذي تقوده أمريكا والقائم كذبا ورياء على المبادئ والقيم والعدل؟ أليس هذا الوباء امتحانا للبشرية جمعاء حيث لا مجال للصراع بل للتضامن والتآزر تحت مبدأ دين الإنسانية؟ ترامب وفي خضم حربه على افتكاك المعدات الطبية وأبرزها الأقنعة ،أسقط القناع الحقيقي لواشنطن وللنظام الذي تقوده يقوم على أن يضع العالم كل ثماره في السلة الأمريكية عوض العكس. ربما يجني ترامب و"أمريكا أولا" كل ثمار هذا النظام العالمي خاصة في هذه المرحلة،ولكن ومع هذه الأزمة الخانقة التي لن تكون الأمور قبلها كما بعدها،ستدفع أمريكا أولا ثمن هذا النظام الجائر الذي أحيط بالخناجر من كل صوب ومسألة طعنه طعنة قاتلة هي فقط مسألة وقت.