أصبح جزء هام من الخطاب السياسي يشكل تهديدا صريحا للتجربة الديمقراطية بسبب ما يتضمنه هذا الخطاب من عنف لفظي وسب وشتم وتشكيك في كل الثوابت، مما ساهم في تفاقم الصراعات وعدم استقرار المشهد السياسي . تونس «الشروق» ولئن تمثل الديمقراطية فضاءا للأحزاب السياسية لتطوير أدوارها واستنباط حلول للمشاكل الراهنة التي تتخبط فيها البلاد ف، ويكون ذلك في إطار من التنافس النزيه وصراع الأفكار وهو في جوهر الممارسة الديمقراطية ، إلا أن الجزء الغالب من الطبقة السياسية انخرط في نسج خطاب يقوم على تغذية الصراع السياسي الذي وصل إلى حدّ العداء وأصبح معه البحث عن التموقع السريع بكل الوسائل والحديث عن ما يحاك في كواليس السياسة ضد هذا الطرف أو ذاك بالتحالفات الهجينة والمصلحية هو الطاغي على الحياة السياسية التي وصلت إلى درجة غير مقبولة من التعفن. ومثلت البرلمانات المتعاقبة منذ 2011 ساحة لمظاهر التعفن السياسي الذي اقتحم بيوت التونسيين عبر الجلسات المباشرة التي ينقلها الإعلام وساهمت وفق عديد الخبراء في تغذية العنف حتى داخل المجتمع التونسي من أطراف يفترض أنهم يشكلون القدوة للشعب الذي انتخبهم، ليصدم التونسيون بصراعات ساهمت في ترذيل مؤسسات الدولة وسوّقت للتمييز الجندري في بعض الأحيان باستهداف الناشطات السياسيات تحت ذرائع متعددة لنصل إلى مرحلة تتطلب من الفاعلين السياسيين البحث عن حلول حقيقية لتنقية الحياة السياسية قبل أن تنسف التجربة الديمقراطية. ضعف الثقافة السياسية لا يمكن عزل المجال السياسي عن بيئته المجتمعية باعتباره انعكاسا لها حيث تؤكد عديد الدراسات السوسيولوجية تنامي ظاهرة العنف بصفة عامة في تونس وهو ما انعكس على الفضاء السياسي نتيجة تخلي الأحزاب عن دورها التأطيري والتثقيفي وانخراطها في البحث عن التموقع السريع على حساب مقاومة الظواهر السلبية في المجتمع ومنها العنف بل وانخرطت فيه وفق تصريح الباحث في علم الاجتماع هشام الحاجي ل"الشروق" الذي اعتبر ان الأحزاب السياسية انزلقت إلى العنف اللفظي والرمزي الذي غذّته عبر الانخراط في التوظيف السيئ لشبكات التواصل الاجتماعي في العمل السياسي بحيث أصبح لكل حزب جيشه الالكتروني الذي يستهدف منافسيه . ويشير الحاجي إلى أن جنوح بعض الأحزاب نحو الخطاب العنيف دليل على عدم الإيمان بالاختلاف والديمقراطية مهما حاولت التشدق بخلاف ذلك ومؤشر على رغبة في الهيمنة والسيطرة الشخصية والحزبية على المشهد السياسي ورفض لقواعد اللعبة وهو شكل من أشكال التغطية على عجزها عن التغيير الايجابي للواقع. من ناحيته بيّن المحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي في تصريح "للشروق" أن تعفّن الخطاب السياسي هو نتيجة عدم قدرة الأحزاب على حل خلافاتها بالوسائل الديمقراطية التي تعبّر على تطلعات النخبة ، علاوة على ضعف الثقافة السياسية وانعدام التجربة الحزبية لدى الطارئين الجدد على الساحة نتيجة حالة التضييق على الحريات السياسية ما قبل 2011 التي لم تسمح لهم باستنباط التعبيرات المناسبة لإدارة الخلافات السياسية غير الخطاب المتدني ورفض الآخر الذي تحول إلى نوع من الكراهية والحقد الايديولوجي حتى بين أفراد العائلة السياسية الواحدة كما حصل مؤخرا بين الحزب الدستوري الحر وقلب تونس. غياب المخيال السياسي يفرض جوهر العملية السياسية على الأحزاب استنباط الحلول والتنافس على اقتراح التصورات والبدائل الكفيلة بتجاوز الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تمرّ بها البلاد عوض الانشغال بالصراعات السياسية على حساب القضايا الحقيقية للتونسيين وهو ما يرجعه الامين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي في تصريح ل"الشروق" إلى جملة من الاعتبارات أهمها بحث الأحزاب عن التموقع على حساب إقصاء الطرف الآخر وليس على قاعدة البرامج والمقترحات. وبيّن الشابي في تصريحه أن جلّ الاحزاب عاجزة عن تقديم بدائل حقيقية للقضاء على الفقر والتمييز الجهوي والنهوض بقطاعات الصحة والتعليم وغيرها وتلتجئ للصراعات التي "تدمّر" البلاد للتورية على فشلها وحتى الأحزاب المنتصرة من "معركة" الانتخابات عادة ما تخرج "منهكة" من المناخ الانتخابي وتبحث عن تسجيل نقاط على حساب منافسيها عوض استنباط الحلول للواقع المتردّي. واعتبر محدثنا أن الفاعلين السياسيين في مواقع التأثير والقرار هم دخلاء على الحياة السياسية وألقت بهم الظروف في معترك السياسة التي تقتضي الحنكة والتجربة لإدارة الدولة في حين أن من يتصدر المشهد تحوّلوا إلى أداة بيد اللوبيات لتحقيق مصالحهم الضيقة ما ساهم في تعفين الحياة السياسية إلى حد تحولت معه ممارسة السياسة من تضحية وتطوّع إلى وصم سلبي يطال السياسيين. أخلقة الحياة السياسية وأمام ما تفرضه طبيعة المرحلة من تنقية للأجواء وحث الفاعلين السياسيين على الانخراط أكثر في ابتكار الحلول الواقعية للمشاكل التي تتخبط فيها البلاد على مستويات عدة يبقى من الضروري توفير أرضية مناسبة للفعل السياسي بعيدا عن لغة الإقصاء والأحقاد ترتكز على جملة من الضوابط وفق القيادية في حزب المسار فتحية السعيدي وأبرزها تطبيق القانون على كل من يتبنى خطابا عنيفا أو تمييزيا وإيجاد آليات تعديل وردع ضمن القانون الداخلي لمجلس نواب الشعب للارتقاء بالممارسة السياسية والدفع نحو أخلقتها ، علاوة على التصدي للعنف السياسي الموجه ضد المرأة عبر تطبيق الفصل 58 من المجلة الجزائية ورفع الحصانة عن كل من يمارس هذا التمييز الجندري، داعية الأحزاب التقدمية إلى خلق ثقافة داخل المجتمع تنجح في تقديم تصورات وبدائل تتماشى مع التطلعات الحقيقية للتونسيين.