الآن وقد حُسم أمر حكومة الفخفاخ ووقع المرور إلى مسار حكومي جديد، ستتجه الأنظار مُجددا إلى "الشخصية الأقدر" التي سيكلّفها رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة الجديدة وسط مخاوف عديدة من أن لا يكون الاختيار هذه المرة أيضا صائبا وفي مستوى الانتظارات وفي مستوى ما يتطلبه منصب رئيس حكومة من مواصفات. بعد انتخابات 2019، ساد الاعتقاد لدى التونسيين بأن البلاد ستجد طريقها إلى الاستقرار السياسي والحكومي. لكن اليوم، وبعد مرور حوالي ثمانية أشهر فقط، تجد البلاد نفسها تتخبط للمرة الثالثة على التوالي وسط أزمة تشكيل حكومة، بعد مرة أولى فشل فيها الحبيب الجملي في نيل ثقة البرلمان ومرة ثانية فشل فيها الفخفاخ في الاستمرار على رأس الحكومة بعد أن علقت به شبهات تضارب المصالح. وفي الاثناء أضاعت البلاد وقتا طويلا وتفاقمت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية نحو الأسوأ. اليوم، ينتظر التونسيون من رئيس الجمهورية أن يُحسن هذه المرة الاختيار وأن يُسلّم "أمانة" تكوين الحكومة القادمة وقيادتها إلى شخصية تكون في مستوى الانتظارات وتتوفر فيها مواصفات النجاح أولا لتشكيل الحكومة في الآجال الدستورية وفي أجواء هادئة بعيدة عن التجاذبات والمعارك السياسية، وثانيا في قيادة الفريق الحكومي بكل نجاعة وحنكة ونظافة يد خاصة في المرحلة القادمة التي تتميز بصعوبات اقتصادية وتقلبات اجتماعية حادة.. واليوم ينتظر التونسيون أن لا تقع "الاستهانة" بمنصب رئيس الحكومة وأن يقع تكليف الشخصية المناسبة لهذه المهمة. فرئيس الحكومة هو الحاكم الحقيقي في البلاد وفق ما يتيحه له الدستور من صلاحيات، ويجب ان يكون بالتالي شخصية متميزة على كل المستويات، سواء من حيث التكوين العلمي والأكاديمي أو من حيث القدرة على التسيير وعلى إدارة الشأن العام وخاصة من حيث نظافة اليد والبعد عن الشبهات المختلفة وعن إمكانية تضارب المصالح داخل تونس أو خارجها. بإمكان قيس سعيّد أن يعثر على الشخصية المناسبة التي تتوفر فيها المواصفات المطلوبة والتي طالما ذكّر بها في أكثر من مناسبة أبرزها الوطنية ونظافة اليد والابتعاد عن شبهات الفساد وعن نوايا خدمة المصالح الضيقة. فالبلاد تعجّ بالكفاءات في شتى المجالات وإمكانية التثبت من "حقيقة" الشخص الذي سيقع عليه الاختيار متاحة وممكنة أمام رئيس الجمهورية قبل الحسم، خاصة عند التعمق في البحث والتحري بالتعاون مع مختلف الأطراف ودون الاعتماد فقط على الاستشارات الضيقة في محيطه بقصر قرطاج. فقيس سعيد تكونت لديه اليوم الخبرة والدراية بما تتطلبه الدولة من خيارات في التسيير وبالتالي فقد أصبح ممنوعا من الخطإ مرة أخرى.. منذ 2011 إلى اليوم، تداول على قصر القصبة 7 رؤساء حكومات، لم ينجح أي منهم في تحقيق الاستقرار السياسي والحكومي المنشود ولا الإصلاحات الاقتصادية والتنموية التي تحتاجها البلاد. فجميعهم تاهوا وسط الصراعات والتجاذبات السياسية والحزبية وكان تفكيرهم مُنصبّا فقط على خدمة مصالحهم الشخصية والحزبية والسياسية الضيقة وذهب بعضهم حدّ استغلال منصبه لخدمة مصالحه المالية بينما ظلت المشاغل الحقيقية للبلاد وللشعب آخر اهتماماتهم. وهو ما يجب أن يأخذه اليوم قيس سعيد بعين الاعتبار حتى لا يتكرر الخطأ نفسه. فاضل الطياشي