بعد كل حادثة مأساوية تتالى الأصوات المطالبة بمحاسبة المسؤول الذي تسبب بتقصيره في حصولها. غير أن "الكوارث" تتالي وتتعدّد معها آلام الناس ومعاناتهم دون أن تقع محاسبة من كان ضالعا بشكل مباشر أو غير مباشر في حصولها بعد أن ينجح في الإفلات من العقاب. وهو ما يفسح المجال أمام تكرار مثل هذه الحوادث التي تُزهق فيها أرواح الأبرياء أو تنجر عنها أضرار بشرية أو مادية. حوادث وكوارث عديدة عاشها التونسيون على امتداد السنوات الماضية، جدّت بالفضاء العام الذي تتحمل الدولة مسؤولية صيانته وتوفير شروط السلامة فيه، وأدت إلى وفاة كثيرين بطرق مختلفة. فبالوعات تصريف المياه تحولت إلى "غول" يلتهم المارة، والشاحنات الخفيفة أصبحت "غرف موت" للعاملات في القطاع الفلاحي، ومصاعد المستشفيات أصبحت كابوسا مخيفا للأطباء والممرضين والعاملين والمرضى بعد أن أزهقت روح طبيب في ريعان الشباب..دون الحديث عن كابوس الطريق العام الذي تحول بدوره إلى مقابر متنقلة بسبب رداءة حالته أو بسبب ما قد يحصل فيه من جرائم تُزهق فيها الأرواح. ورغم تكرر مثل هذه الحوادث المأساوية، إلا أن الدولة بدت على امتداد السنوات الماضية غير مُتحملة مسؤوليتها بالشكل الكافي خاصة المسؤولية الجزائية والإدارية لكل من يتسبب من أعوانها ومسؤوليها وغيرهم( في القطاع الخاص) في تقصير او تجاوز أو عدم انتباه ينتهي بكارثة. فكم من مسؤول عن حادث مؤلم نتجت عنه موت او أضرار جسيمة بسبب تقصيره أو تهاونه أو فساده لا تتم محاسبته بالشكل المطلوب وينجح في الإفلات من العقاب رغم ثبوت مسؤوليته. وكم من مسؤول يتوفّر له حال وقوع الكارثة التي تسبب فيها غطاء سياسي أو غيره يُحصّنه من كل عقاب إداري او جزائي رغم ان المنظومة القانونية والعقابية تعج بالنصوص الصارمة والرادعة لمثل هذه التجاوزات. عديد الحوادث المأساوية حصلت نتيجة عدم قيام مقاول بواجبه على الوجه الافضل في إنجاز مشروع او صيانة تجهيزات أو تعبيد طريق أو بناء مدرسة او مستشفى. وهو ما يحيل إلى تقصير آخر يتحمله المسؤول الإداري أو المسؤول عن الرقابة الفنية للمشروع من خلال عدم القيام بواجبه في مراقبة سلامة المشروع أو التجهيزات وأيضا إلى المسؤول عن الرقابة المالية للمشروع بالنظر إلى ما أصبح يحصل من فساد مالي واستيلاء على المال العام عند انجاز بعض المشاريع على حساب الجودة واحترام شروط السلامة والوقاية. ومن الطبيعي أن يؤدي الإفلات من العقاب وغياب محاسبة المُقصّرين والمسؤولين المباشرين عن الحوادث الكارثية في الفضاءات العامة إلى تكرارها أكثر من مرة وإلى تحولها إلى كابوس مُرعب للمواطن. وهو ما وقف عليه التونسيون خاصة في السنوات الاخيرة في المستشفيات وعلى الطرقات وفي وسائل النقل العمومي وداخل المؤسسات التربوية وغيرها.. وكل ذلك يؤكد أن الدولة أصبحت في حاجة أكثر من أي وقت مضى لاستعادة دورها في الرقابة والصرامة مع كل التجاوزات التي تحصل في الفضاءات العمومية باعتبارها تتحمل مسؤولية إدارتها ورقابتها، ودورها في محاسبة ومعاقبة كل من يتسبب بتقصيره وعدم انتباهه في حصول كارثة يذهب ضحيتها أبرياء حتى لا تساهم في التشريع لظاهرة الإفلات من العقاب.. فاضل الطياشي