دأب رئيس الدولة في الفترة الأخيرة على الظهور إعلاميا لتوجيه ضربات صاروخية مباشرة إلى خصومه. صواريخ توعّد بها الرئيس في مناسبات عديدة مؤكدا أنها جاهزة في منصاتها للإطلاق. كنا نتمنى لو أن رئيس الدولة وجّه هذه الصواريخ ضد أعداء تونس الحقيقيين مثل الفقر والتخلّف والتهميش والبطالة واضطراب الدراسة والعمل في كل مكان بما بات يهدّد حاضر البلاد ويصادر مستقبلها... كنا نتمنى لو أن رئيس الدولة استغل موقعه وصفته الاعتبارية ليكون رئيسا لكل التونسيين وليعبّئ التونسيين ويوحد صفوفهم في مواجهة أعدائهم الحقيقيين... كما كنا نتمنى لو أنه ترفّع عن التسلّي بتوجيه صواريخه كل مرة إلى شق من خصومه السياسيين وهم شئنا أم أبينا جزء لا يتجزأ من شعبه... وكنا نتمنى لو أنه نزل من علياء منصات الصواريخ والقصف ليأخذ بأيدي الجميع ويعمل على إيجاد أرضية مشتركة لالتقاء حقيقي بين كل الفرقاء بحثا عن مخارج مقبولة تطوي صفحة الخلاف وتمهّد لانطلاق عمل الحكومة وكل مؤسسات الدولة والسعي إلى حل كل الملفات العالقة وإعادة إطلاق عجلة العمل والإنجاز عسانا ننقذ ما يمكن إنقاذه. لكن رئيس الدولة يصرّ على المراوحة في مكانه ويصر كل مرة على إطلاق صواريخ موجهة لا تزيد إلا في خلط الأوراق وفي توتير الأجواء وتقسيم التونسيين. وكأننا إزاء لعبة تكسب بتسجيل المزيد من النقاط... وقد كان ظهوره أمام رئيس المجلس الأعلى للقضاء مناسبة أخرى وجّه فيها رئيس الدولة المزيد من الصواريخ باتجاه مروجي الأكاذيب والإشاعات وباتجاه من يتعاملون معه بخبث ونفاق عندما تحدث عن مسألة التلاقيح وحاجة البلاد الحقيقية إلى تلاقيح من نوع آخر تلاقيح تداوي من الكذب والنفاق... وهي بالمناسبة تلاقيح تحتاجها البلاد فعلا لشدة طغيان تعامل المسؤولين بالكذب والنفاق. لكن الإشكال مع كل هذا ومع وجاهة طرح رئيس الدولة في بعض المسائل والملفات يبقى في الحلول والمخارج التي ينتظرها الشعب. هذا الشعب الذي شبع على مدى عشر سنوات من التجاذبات والمناكفات ومن تصريف الأكاذيب والتقاذف بالفشل والعجز... والذي بات ينتظر مسؤولا يتكلم قليلا أو لا يتكلم أصلا لكنه ممسك بكل ملفاته وحريص على الفعل والإنجاز لإخراج البلاد من أزمتها. ذلك أن مشكل البلاد مع مسؤوليها في كل المستويات يتجاوز التشخيص والقدرة على التقاط مواطن الخلل والداء... ويصبّ في خانة وصفات العلاج المطلوبة وما يلزم من إرادة سياسية ومن تصميم على استنباط الحلول الملائمة ووضعها موضع التنفيذ... فماذا ينفع أن يحدثنا رئيس الدولة عن المتآمرين في غرف مظلمة ولا نرى أحدا من هؤلاء يكشف ويحاكم ؟ وماذا ينفع أن يحدثنا عن نفاق عبد الله بن سلول ولا يعمل على تعرية ملّة بني سلول بيننا ليعرفهم الشعب ويتولى أمرهم ؟ وما الجدوى من الحديث عن تلاقيح ضد الكذب والتزييف إذا كان الكذّابون والمرجفون يتجولون بين الناس بلا حسيب ولا رقيب؟ إن بلادنا وهي تلامس الحضيض وتشارف على الانهيار وفق كل المؤشرات لم تعد تحتاج إلى مثل هذه المناكفات والصراعات العبثية. بلادنا تحتاج إلى مسؤولين يتحملون مسؤولياتهم بشرف وأمانة ويجدون الطريق إلى توحيد الجهود والإرادات لمباشرة عملية الإنقاذ قبل فوات الأوان. إن بلادنا تحتاج فعلا إلى لقاحات من نوع آخر لمداواة آلامها وأورامها. لقاحات تنهي هذه الفوضى التي استبدّت بالبلاد وبالعباد. لقاحات تعيد الأمل والثقة في المستقبل ولقاحات تجعل المسؤولين يتشبعون بالحس الوطني وبروح المسؤولية عساهم يتقوا الله في هذا الشعب الغلبان وفي هذا البلد الذي شارف على الانهيار المدوي. عبد الحميد الرياحي