بينما تتقاتل على السلطة حكومة فتحي باشاغا المتمركزة في الشرق وحكومة عبد الحميد الدبيبة المتمركزة في الغرب الليبي، بدأت تطفو على السطح ملامح حكومة ثالثة بمبادرة من رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري. مع سقوط موعد إجراء انتخابات عامة في 24 ديسمبر الماضي في الماء، دخلت ليبيا في صراع معقّد الى أبعد حد وسط إصرار كل طرف يمثّل جهة ما على السيطرة على السلطة بدعم طرف ما خارجي. وما آلت إليه الاحداث اليوم هو أن ليبيا ممزّقة سياسيا وعسكريا وقبليّا ودخلت مرحلة حرب الكل ضدّ الكل وكل طرف في حرب مع الطرف الآخر، وخاصة ثلاثة أطراف وهم حكومة الدبيبة وبرلمان عقيلة صالح ومجلس الدولة الذي يترأسه خالد المشري. كل طرف من هؤلاء هو واجهة لقوة اقليمية او دولية، وهو ما أدخل ليبيا في صراع المصالح الأجنبية التي لا تخدم أبدا مصالح الشعب الليبي الذي باتت تهدّده الحرب الأهلية في ظلّ الكم الهائل للسلاح المنتشر في البلاد. في الحقيقة ما يقع في ليبيا اليوم هو ضمن مخططات تقسيم المقسّم و تجزأة المجزأ وسط الحديث دائما عن تقسيم البلاد الى ثلاثة أقاليم تاريخية وهي برقة وطرابلس وفزان وهو ما تسير إليه الأمور الآن رويدا رويدا. فمن يديرون اللعبة في ليبيا بصدد ترسيخ هذا التقسيم عبر بيادق سياسية وقبلية تمهّد لهذا الأمر يوما بعد يوم عبر بثّ مزيد من الفرقة والتشظّي بين أبناء البلد الواحد حتى تتهيّأ اللحظة المناسبة التي يصبح فيها التقسيم أمرا واقعا وحلا أخيرا. هؤلاء "المخربين للأوطان" لم يكفهم اسقاط دولة مستقلة وذات سيادة عبر تحالف الشر (الناتو) سنة 2011 وادخال البلاد في فوضى عارمة الى الآن واغراقها بالسلاح والميليشيات والمرتزقة. بل يحرمونها اليوم من اعادة البناء وكنس الفوضى والدمار الذي خلّفتها "ديمقراطيتهم" القائمة على نهب ثروات ليبيا من نفط وغاز وغيرها من الثروات التي تزخر بها البلاد. نعم هي لعنة الغاز والنفط التي حلّت بليبيا، حيث تتكالب القوى الغربية على تقسيم الكعكة هناك عبر تقسيم البلاد والتفرّد بكل جهة على حدى ولا يريدونها دولة قوية قائمة وذات سيادة حتى تصدّ أطماعهم. ليبيا ستكون يوم 24 جوان الجاري أمام مفترق طرق باعتبار أنه موعد ولاية حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وفي ظلّ تمسّك الأخيرة بالسلطة ستكون البلاد مفتوحة على جميع السيناريوهات. وحالة الانسداد هذه قد تجرّ البلاد الى حرب أهلية الخاسر الأكبر فيها هو الشعب والدولة الليبية، اضافة الى جيران ليبيا الذين يتحمّلون ولا يزالون عبء عدم الاستقرار هناك وخاصة تونس التي تعيش هي الأخرى في وضع استثنائي. بدرالدّين السّيّاري