بعد أن ارتفعت نسبة التضخم إلى 8.6 %، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ البلاد ويؤكد ما بلغه مستوى الأسعار من ارتفاع جنوني، أصبحت تسود مخاوف عديدة لدى المواطنين والفاعلين الاقتصاديين من أن يتوجه البنك المركزي التونسي مُجدّدا إلى الترفيع في نسبة الفائدة المديرية Taux d'intérêt directeur للرفع من تكلفة الاقتراض البنكي والتقليص من اللجوء إليه والتقليص بالتالي من الاستهلاك وتطويق نسبة التضخم... خطوة قد يُقدم عليها البنك المركزي ويخشاها المختصون ويصفونها بالمجازفة الخطيرة بالنظر إلى تداعياتها السلبية على الحركية الاقتصادية في البلاد خصوصا أنها لن تكون الحل الأمثل لمعالجة أزمة ارتفاع التضخم.. ففي ماي 2022 رفع البنك المركزي في نسبة الفائدة الرئيسية ب 75 نقطة لتصعد من 6.25 % إلى 7 %، غير ان ذلك لم يحل المشكل بدليل أن نسبة التضخم واصلت الارتفاع تدريجيا من 7.8 % في ماي إلى 8.6 % في أوت. ويفسّر المختصون والخبراء فرضية توجه البنك المركزي نحو الترفيع من نسبة الفائدة المديرية بالقول أنها تهدف لإرضاء صندوق النقد الدولي ولتسهيل عملية التفاوض معه حول حصول تونس على القرض المنتظر. فالصندوق يضع من بين الشروط الحدّ من نسبة التضخم، وهو ما عجزت تونس عن تحقيقه إلى اليوم نظرا لتواصل ارتفاع الأسعار وانهيار سعر صرف الدينار وهشاشة احتياطي العملة الصعبة والركود الاقتصادي المتواصل إلى جانب تواصل ارتفاع قيمة الواردات التي يقع خلاصها بالعملة الصعبة. ويتحدث المختصون عن حلول أخرى يمكن أن تلجأ إليها الحكومة والبنك المركزي للحدّ من نسبة التضخم بدل الترفيع من نسبة الفائدة المديرية. من ذلك مثلا ضرورة إيجاد الحلول اللازمة لحماية سعر صرف الدينار من مزيد التدهور وكذلك وضع خطة عاجلة ودقيقة لتوجيه الدعم نحو مستحقيه وبالتالي حماية طبقة واسعة من التونسيين من ارتفاع أسعار المواد المدعومة والمؤطرة. كما يقتضي الوضع التدخل لاصلاح مختلف منظومات الإنتاج التي تواجه صعوبات كبرى بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وذلك بمساعدتها حتى لا ينعكس ارتفاع تكاليف الإنتاج على الأسعار، إلى جانب استقطاب الاقتصاد الموازي للترفيع من قيمة العائدات الجبائية ومزيد تحسين السياحة والتصدير لترفيع احتياطي العملة الصعبة.. أما الترفيع في نسبة الفائدة المديرية، وهو الحلّ الأسهل والأسرع، الذي قد يقع اللجوء إليه في الفترة القادمة، فإن ارتداداته ستكون هذه المرة خطيرة للغاية لانه سيضاعف معاناة الأفراد من ارتفاع تكلفة الاقتراض ( إلى جانب الارتفاع المتواصل للأسعار) وهو ما سيدفع بهم بالتالي على العزوف عن الاستهلاك وتتعطل بالتالي الدورة الاستهلاكية برمّتها. كما سيضاعف من ناحية أخرى الصعوبات التي تواجهها المؤسسة في ما يتعلق بارتفاع تكاليف الإنتاج، لأن تكلفة الاقتراض ستصبح مرتفعة بالنسبة إليها وهو ما سيجبرها على التقليص من جهودها لبعث استثمارات جديدة او لتطوير أساليب العمل وتحسين الإنتاج بما سينعكس سلبا على سوق الشغل وعلى القيمة المضافة للاقتصاد بشكل عام.. فاضل الطياشي