رغم تأكيدات الجهات الرسمية مازالت «رقصة» المواد الأساسية متواصلة.. مواد تغيب أو تُغيّب فيغرق السوق في الندرة ويختل العرض والطلب ويدوخ المواطن بين الفضاءات التجارية بحثا عن هذه المادة الأساسية أو تلك.. ولسنا ندري كيف تعود هذه البضائع للظهور ب«قدرة قادر» وقد انتفخت أسعارها وترهّلت جودتها. أمين عام اتحاد الشغل تطرق للمسألة وأكد أن هذا الوضع يعتبر اختزالا ل«تكتيك» اهتدت له الحكومة ويهدف إلى رفع الدعم وإلى تعويد المواطن على الأسعار الجديدة حتى يجد نفسه شيئا فشيئا أمام الواقع المر ممثلا في تخلّي الدولة عن الدعم وممثلا في القبول ب«حقيقة الأسعار».. وهذا «التكتيك» بدأ يشق طريقه منذ فترة.. حيث تعوّد المواطن على اختفاء الكثير من المواد الأساسية ومن ثم عودتها للظهور بعد أن تكون انتفخت أسعارها نتيجة رفع الدعم عنها.. وبذلك يبتلع المواطن «الحربوشة» بسلاسة وينسى لهيب الأسعار ويكتفي يتحصيل حاجته من هذه السلعة أو تلك.. الواقع أن الحكومة ظلت على مدى الأشهر الماضية تردّد اسطوانة رفع الدعم و«حقيقة الأسعار» وهي ما فتئت تلوح باجراءات مصاحبة تستهدف الفئات الضعيفة الأكثر احتياجا للدعم.. لكنها بقيت تتخبط في نفس المكان وكأنها تتحرك في بقعة من الزيت يخيّل إليها انها تتقدم والحال أنها تراوح مكانها. فلا هي قدرت على التقدم بجرأة ومسؤولية نحو رفع الدعم ولا هي قدرت على تحديد «الفئات الضعيفة المستحقة للدعم» والتي وجب تمتيعها باجراءات مصاحبة لتمكينها من الصمود في وجه عاصفة ارتفاع الأسعار بعد رفع الدعم. لكن هذه المعضلة تَلدُ معضلة أخرى.. معضلة يشخصها خبراء الاقتصاد وكذلك أمين عام المنظمة الشغيلة في اهتراء القدرة الشرائية للأغلبية الساحقة من التونسيين.. وبالتالي في اتساع شريحة المحتاجين ل«الاجراءات المرافقة» حيث يقدّر هؤلاء أن يكون 80 ٪ من الشعب التونسي في شريحة المحتاجين للمساعدة بعد رفع الدعم عن المواد الأساسية. وبذلك ستجد الحكومة نفسها في مواجهة معضلة أكبر تتمثل في تنامي الشرائح الغاضبة من رفع الدعم بما سوف يعرّض السلم الاجتماعية لهزّات لا أحد يعلم بمآلاتها. في بداية تسعينات القرن الماضي ضغط صندوق النقد الدولي على جمهورية مصر العربية حتى ترفع الدعم عن المواد الأساسية وفي طليعتها الأرز والسكر والزيت ومشتقات الحبوب مقابل الحصول على قرض بقيمة ملياري دولار من الصندوق.. ووقتها ردّ الرئيس الراحل حسني مبارك بالقول بأن رفع الدعم عن المواد الأساسية سوف يشعل غضب الشعب المصري الذي سيجوع وسيثور ويحرق ويدمر ويخلّف خسائر لن تقل فاتورتها عن خمسة مليارات دولار.. وإذا طرحنا منها ملياري صندوق النقد فمن سيسدّد الثلاث مليارات دولار المتبقية من فاتورة ثورة الشعب المصري. وبهذه المعادلة أفلت الرئيس المصري من كماشة «صندوق النكد الدولي» وتجنّبت مصر الشقيقة موجة غضب ستأتي على الأخضر واليابس. ولأن الشيء بالشيء يذكر فإنه على الحكومة التنبّه إلى انعكاسات رفع الدعم وإلى أن كلام صندوق النقد الدولي ووصاياه ليست قدرا منزّلا أو حتمية وجب التسليم بها والاستسلام إلى نتائجها وانعكاساتها حتى ولو كانت وبالا على البلاد وعلى العباد. والمنطق يقتضي توسيع دائرة التشاور مع الأطراف الاجتماعيين وحتى السياسيين للوصول إلى حلول وبدائل تحرّر أيدي الحكومة وتحمي السلم الاجتماعية من الهزّات والحرائق (لا قدر الله). عبد الحميد الرياحي