اذا كان للنظام العالمي الجديد من فضل على سكّان المعمورة فانه بلاشكّ نجاحه في القضاء على آخر معاقل الأخلاق ومظاهر الانسانية على وجه البسيطة.. فما يشهده العالم اليوم من «فوضى خلاّقة» فاق كل التصّورات والتوقّعات التي على ضوئها وضعت البرامج والمخططات الى حد أحيل فيه العالم اليوم الى غرفة الانعاش بعد أن أصيب الاقتصاد الأمريكي بزكام بسيط استوجب تدخل الخزينة الفيدرالية الأمريكية ولأول مرة منذ أزمة 1929 لانقاذ بنك «بيرشيرنز». ورغم هذا التدخل ورغم أن المسؤول الأول عن الخزينة الأمريكية يعتبر الاكاديمي الاكثر اختصاصا في ملف «ازمة 1929» بما ساهم في جانب هام في تفادي الكارثة.. فان العالم برّمته يدفع اليوم ثمن سقوط بنك «بيرشيرنز» الامريكي الذي كاد ان يقود معه النظام البنكي الامريكي لو لم يتم التدخل السريع.. ثمن السقوط هذا رغم انه لم يبلغ حدود الهاوية ندفعه من قوتنا اليومي بعد ان فرّ المضاربون من الدولار الى الاورو واليان والمواد الاولية.. والنتيجة ارتفاع هام في اسعار كل حاجياتنا بدءا من البترول انتهاء الى الحبوب مرورا بالذهب لمن ينوي الزواج هذه السنة. الزكام او الانحسار الذي يعيشه الاقتصاد الامريكي تحوّل الى تضخّم في اوروبا والى ازمات اقتصادية في البلدان النامية والى مجاعات في الدول الفقيرة.. هكذا هو حال الزكام الامريكي في النظام العالمي الجديد.. أمّا القادم لن يكون افضل بشهادة محافظ البنك الاوروبي الذي قال بان «الاسوأ ليس خلفنا» في حين بدأ الخبراء يتحدثون عن ان حجم القروض المشكوك في تسديدها يتراوح ما بين الف وخمسمائة مليار والفي مليار اورو في منطقة اوروبا من جهته قال رئيس صندوق النقد الدولي ان العالم امام ازمة اقتصادية ستطول وانها لن تتجنب الدول الصاعدة والدليل لهيب الاسعار الذي يلفحنا محليا. فالانحسار كالزكام ميزته قدرته الفائقة على العدوى لذلك كان لفرار المضاربين من الدولار الى العملات الاخرى انعكاسات على قدرات اوروبا واليابان على التصدير وانعكاسات على المقدرة الشرائية لمنتجي النفط الذين رفّعوا في اسعار الذهب الاسود وانعكاسات على اسعار المواد الاولية الاخرى التي لجأ الى المضاربة فيها الفارون باموالهم من تراجع الدولار.. ان هذا الوضع المربك جعل الرئيس الفرنسي يعلّق عليه بالقول خلال لقاء متلفز جمعه بلفيف من الاعلاميين نهاية الاسبوع المنقضي ان «الرأسمالية اصبحت تمشي على رأسها» وان المضاربين جاوزوا حدودهم لذلك لابد من وضع حد لعملياتهم المقرفة التي لا تراعي شيئا من اجل حفنة من الدولارات.. وتحدث ساركوزي عن دعوة عاجلة وجهها لمجموعة ال 14 التي تضم الدول العظمى للالتقاء لوضع ضوابط لعمليات المضاربة. وطنيا فاننا كبقية الدول الصاعدة نسدد من قوت الشعب فاتورة المضاربين لذلك اعتقادي انه في نفس الوقت التي تعمل فيه الحكومة على الحدّ قدر الامكان من آثار الهزات لابد ان تقدّم الحقائق كماهي.. ففي مثل هذه الظروف ليس افضل من المصارحة كي يتحمّل كل طرف من موقعه مسؤولياته. حافظ الغريبي