ليلى جفّال: أكثر من 63 ألف مستفيد من قانون الشيكات    بطولة النخبة لكرة اليد: نتائج مباريات الجولة الرابعة عشرة    عاجل/ أول رد لوزيرة النقل على ما راج بخصوص اضراب المساجين السياسيين..    تحسّن ملحوظ في جودة زيت الزيتون مقارنة بالموسم الفارط    ميزانية وزارة السياحة 2026...كيف سيتمّ توزيعها؟    ارتفاع نسبة البطالة إلى 15.4 بالمائة خلال الثلاثي الثالث من سنة 2025..    الرابطة المحترفة الثانية (الجولة التاسعة): نتائج الدفعة الاولى والترتيب..    رأي: الإبراهيمية وصلتها بالمشروع التطبيعي الصهيوني    تدشين مركز تثمين التراث بشنني    في مهرجان الأردن المسرحي: مسرحية «عطيل وبعد» تحصد 3 جوائز    أخبار النادي الصفاقسي: بن علي يعود وتصعيد خطير في ملف التحكيم    صفاقس: تدشين قاعة مخصّصة للطلبة المصابين بمرض السكري بكلية الحقوق بصفاقس    مع الشروق : خيارات الشراكات الاستراتيجية    بن عروس .. .مظاهر مزرية بمحيط معهد ابن منظور    الأمطار المتساقطة في تونس أقلّ من المعدّل المعتاد    ألعاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): برونزية لمحمد أمين الزغلامي في التايكواندو    بورصة تونس تحتل المرتبة الرابعة على مستوى البورصات العربية    كاس افريقيا للامم للرقبي السباعي للسيدات بكينيا: المنتخب التونسي يلاقي اوغندا في ربع النهائي    الفن والأدب واللغة والسلطة موضوع ندوة فكرية بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة    هواتف ومواد تجميل وقطع غيار السيارات: هذا ما تحجزه الديوانة في تونس    زيادة ب41 مليون دينار في ميزانية وزارة العدل... وين بش تمشي الأموال؟    مختصون في الصحة: المضادات الحيوية جائحة صامتة    المعهد الوطني للرصد الجوي: أكتوبر 2025 أكثر حرارة من المعدل العادي    النائبة فاطمة المسدي تدعو الحسم القضائي في ملفي الإرهاب وتوطين الأفارقة    عاجل يهمّ كل التونسيين: عودة خطّ الحافلة رقم 29    احباط تهريب كمية من الكبد الحيواني المجمّد..خبر_عاجل    قنبلة الصين الجديدة.. جيش التحرير يفاجئ العالم بسلاح غامض    خطة لاستفزاز زعيم كوريا الشمالية عبر طائرات مسيرة سرية.."باءت بالفشل"    البرازيل: رفض استئناف بولسونارو ضد حكم سجنه 27 عاماً    المجلس الجهوي لهيئة الصيادلة بالجنوب ينظم الايام الصيدلانية 28 بالجنوب بمدينة دوز من 19 الى 21 ديسمبر 2025    وراء الكواليس.. وثائق جديدة للكونغرس تفضح تواصل علاقة إبستين مع النخبة العالمية بعد إدانته    معهد الإحصاء: النشاط الإقتصادي يسجّل نموّا بنسبة 2،4 بالمائة    الكافيين...وقتاش يتحولّ التاي والقهوة لخطر على صحتك؟    مباراة ودية: تشكيلة الترجي الرياضي في مواجهة الإتحاد العسكري الليبي    وزير التجارة: التونسي أصبح يجد كل المنتجات على مدار السنة..#خبر_عاجل    بسبب التأشيرة: هؤلاء اللاعبين يتخلّفون عن مباراة تونس والبرازيل في فرنسا..#خبر_عاجل    عاجل/ وزير التجارة يكشف عن آخر الاستعدادات لشهر رمضان    تحكيم تونسي في قلب نهائي المونديال: شوفوا الاسماء الحاضرة    طقس السبت : هكّا بش تكون الاجواء    عاجل : لأول مرة ...منظمة الصحة العالمية تكشف عن أخطر الأمراض المعدية    هذا ما تقرّر ضد 4 فتيات اعتدين بالعنف على تلميذة في سيدي حسين..#خبر_عاجل    ترامب يعلن أنه سيناقش "اتفاقيات أبراهام" مع بن سلمان بالبيت الأبيض    بوعسكر يقدم لرئيس الدّولة تقريرًا بنشاط هيئة الانتخابات    عاجل: سعيّد يحمّل المسؤولين مسؤولية 'المرحلة' ويؤكّد : لا تسامح مع الإخلال بالواجب    بمشاركة "دلتا".. الجيش الأمريكي بانتظار "ساعة الصفر" لضرب فنزويلا    فرار إرهابيين من السجن: تأجيل القضية إلى ديسمبر المقبل    هيئة الانتخابات تنظم تظاهرات بالمدارس والمعاهد في الجهات لتحسيس الناشئة بأهمية المشاركة في الانتخابات    السويد: قتلى ومصابون في حادث اصطدام حافلة في ستوكهولم    توافق إفريقي بين تونس والجزائر والسنغال والكونغو حول دعم الإنتاج المشترك وحماية السيادة الثقافية    شوف وقت صلاة الجمعة اليوم في تونس    يتسللان الى منزل طالبة ويسرقان حاسوب..    عاجل: وزارة التربية تفتح مناظرة نارية...فرص محدودة    الجزائر: 22 حريق في يوم واحد    ''حُبس المطر'': بالفيديو هذا ماقله ياسر الدوسري خلال صلاة الاستسقاء    الجمعة: الحرارة في ارتفاع طفيف    كم مدتها ولمن تمنح؟.. سلطنة عمان تعلن عن إطلاق التأشيرة الثقافية    ديوان الافتاء يعلن نصاب زكاة الزيتون والتمر وسائر الثمار    عاجل : وفاة المحامي كريم الخزرنادجي داخل المحكمة بعد انتهاء الترافع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البنك المركزي في ''أوحال'' الايديولوجيا النيوليبرالية لصندوق النقد الدولي
نشر في باب نات يوم 17 - 06 - 2018


بقلم شكري بن عيسى
لم يكد التونسي يتخلّص من مخلفات التهاب الاسعار طيلة الشهر الفضيل، ويتجاوز أعراض اشتعال مصاريف العيد المبارك، حتى تأتيه ضربة جديدة على الرأس من البنك المركزي، بزيادة 100 نقطة كاملة في نسبة الفائدة المديرية، برفعها من 5,75% الى 6,75%، بعد أن تمّ رفعها قبل أشهر قليلة في مارس المنقضي من 5% الى 5,75%، وما يثير الغرابة أنّ السلطة النقدية العليا في البلاد تزعم بهكذا قرار التحكم في التضخّم لفائدة المواطن الذي استقر منذ أفريل الفارط في 7,7%، وهي نسبة قياسية لم تعرفها البلاد منذ 1991.
البنك المركزي اذ يقرّ الاجراء الحالي، راميا مسؤولية التضخّم على "الآخر"، فهو يتستّر ويطمس حقيقة أنّه هو مصدر العلّة، بادخاله البلاد في دوّامة التضخّم المثيرة للدوار، عبر خضوعه الأعمى لاشتراطات صندوق النقدالدولي المدمّرة، من خلال سياسة تخفيض الدينار الوحشية، التي انطلقت فعليّا مع ارساء "استقلالية" البنك المركزي عبر قانون أفريل 2016، وتسارعت بشكل حاد مع مجيء الشاهد، التلميذ المطيع للهيئة النقدية الدولية.
استقلالية صورية للبنك المركزي.. خاضعة للايديولوجيا النيوليبرالية
قرار رفع نسبة الفائدة المديرية الذي صدر عن اعلى هيئة نقدية في البلاد ، عبر أعلى سلطة قرار داخله اي مجلس الادارة، وتم اخراجه على أنّه قرار "سيادي" مستقل، هو في الحقيقة جاء مباشرة اثر بيان 30 ماي المنقضي لصندوق النقد الدولي، الذي "أمر" عبر أسلوبه الخاص ب"ضرورة اتخاذ اجراء حاسم هذه السنة لمقاومة التضخّم"، هذا الصندوق لا يهمّه أصلا جيب المواطن من هكذا اجراء، بقدر ما يهمّه فعاليّة السوق التي تتضرر من جراء التضخّم الحاد، فتنهار سياساته النيوليبرالية المفروضة، وان شغله جيب المواطن فلا لأمر الا لتجنب الهزات الاجتماعية، التي تحبط في اغلب الاحيان ما يطمح في تحقيقه من تحرير كامل للاقتصاد.
صندوق النقد الدولي الحقيقة هو مصدر التضخم عبر سياساته المفروضة، من رفع الدعم على المحروقات والطاقة وحتى المواد الأساسية (بطرق ملتوية)، الى الترفيع في الأداء على القيمة المضافة، وصولا الى الاجراء الأشد خطورة بخفض قيمة الدينار عبر تعويمه الكامل، الذي يرفع في كلفة المنتوج وبالتالي سعره، وذلك من خلال رفع كلفة الاستثمار من خلال توريد التجهيزات، ومن خلال ارتفاع اسعار المواد الاولية، وارتفاع اسعار الطاقة، هذه المواد التي يقع استيرادها، وتمثل مكوّن مهم في كلفة المنتوج، واي انهيار للدينار يقابله ارتفاع في سعر المنتوجات المرتبطة بها.
البنك المركزي الذي كانت مهمته الأساسية، عبر قانون 1988 في فصله 33، الدفاع عن قيمة العملة الوطنية والمحافظة عن استقرار الدينار، الذي يمثل السيادة النقدية الوطنية، بعد قانون أفريل 2016 سيء الصيت الذي يزعم تكريس استقلالية السلطة النقدية الوطنية، واشترطه صندوق النقد الدولي لمنح "تسهيل الصندوق الممدد" ب2,9 مليار دولار، أصبح محصورا في مهمّة أساسية بعد اطلاق العنان لتعويم الدينار، وهي مطاردة التضخّم الناتج من التهاوي الحاد للعملة الوطنية وما ينجر عنه من تضخم مستورد، والمهمّة أصلا من صميم أجندة صندوق النقد الدولي، الذي يجعل من المؤسسة النقدية الوطنية مجرد متستر على فضائح مؤسسة بريتن وود في اشتعال الاسعار.
رفع نسبة الفائدة المديرية.. نتائج عكسية بالجملة
الصندوق النقدي الدولي يجد سياساته تقود لنتائج سلبية جدا، فانهيار الدينار يقود لارتفاع كلفة خدمة الدين التي تتم بالعملة الصعبة، كما يضر بالاستثمار الذي يتم اغلبه عبر التجهيزات المستوردة، اضافة الى ارتفاع كلفة الطاقة التي نستوردها بشكل أساسي، واضافة لذلك يقود انهيار العملة الوطنية لاشتعال الاسعار، واذ لا يجد من مخرج بالنسبة لتعويم الدينار في المستوى الاول، فانه يجد الحل (او هكذا يتراءى له من خلال نظرياته بالنسبة للتضخم) في رفع نسبة الفائدة، وذلك برفع نسبة الفائدة المديرية التي يتحكم فيها البنك المركزي.
والميكانيزم يمكن تلخيصه عمليا بأنّ رفع كلفة الاقتراض ينجرّ عنه انخفاض في الاستهلاك، وبالتالي تنخفض الاسعار هذا في المجال الحقيقي (اي سوق السلع والخدمات)، اما في المجال النقدي (اي سوق النقد) فتنخفض كتلة النقد المتداولة بارتفاع سعر الاقتراض (نسبة الفائدة)، ما يؤدي الى انخفاض الاسعار، والحقيقة أنّ هذا الأمر لا يمكن تحقيقه في تونس، والميكانيزم المذكور غير فعّال بالمرّة؛ تجريبيا فقد تم رفع نسبة الفائدة في السنوات والاشهر الاخيرة ولم ينخفض التضخم، بل بلعكس ارتفع بشكل متواصل، والأمر يعود الى سلوك التونسي الذي لا يتأثر بسعر الفائدة، سواء في قروض السكن او الاستهلاك، فبالنسبة له حاجته بالحصول على السكن او تلبية حاجياته الاستهلاكية، اقوى من كل تأثير للكلفة.
في المقابل رفع نسبة الفائدة سيقود بدوره الى رفع كلفة المنتوج، اذ الفائدة تدخل في كلفة الاستثمار، التي تدخل في اعباء المنتوج، ما يقود الى الى تضخّم جديد، وهو ما يفسّر الدّوّامة التي دخل فيها التضخم بشكل متواصل، فرفع نسبة الفائدة المديرية تباعا في أفريل وماي 2017 لم يقابلها أي كبح للتضخم، الذي بالعكس ازدادت ضغوطه، كما أن رفع نسبة الفائدة المديرية في مارس 2018 قابله زيادة في التضخم من 7,1% الى 7,6% تواصلت في أفريل وماي في مستوى 7,7%، لأنّ العلّة بالاساس أصلها في انهيار الدينار، وليس في حجم الاقتراض أو الاستهلاك، زيادة الى ذلك فالمواطن سيتحمّل كلفة اضافية برفع أعباء الاقتراض، كما ان ارتفاع كلفة الاستثمار سينجر عنه ضرب ابرز محركات التنمية الاستثمار وايضا التصدير.
صندوق النقد الدولي يخنق الاقتصاد
فالكلفة الاضافية في الاستثمار تضرب تنافسية المؤسسة التونسية، وبالتالي تجعل المنتوج الخارجي يرتفع استهلاكه داخليا، ما يرفع الاستيراد ويعمّق العجز التجاري والعجز الجاري وعجز الميزانية، كما انها تجعل التصدير اعلى كلفة ما يخفّض الطلب الخارجي عليه، وتكون النتائج بذلك سلبية على مستوى التصدير والاستثمار، ما يعمّق الركود الاقتصادي ولا يسمح بانتعاشة حقيقية فعلية، فالتضخّم في النهاية يستمر ويتسبب في تعطيل اليات حرية السوق وفعاليتها، ويعطّل تقريبا كل شيء فهو يعتبر حتى في الادبيات الراسمالية سرطانا حقيقيا داخل الجسم الاقتصادي.
وبالطبع أيّ تعطيل للتنمية ينجر عنه ركود في التشغيل، ما يفتح الباب للانهيارات الاجتماعية، التي أصبحت هيكلية-دورية ولا تكاد تغيب، فثلاثي تعطل التنمية وارتفاع البطالة واشتعال الاسعار صار رهيبا، ويهزّ في العمق كل استقرار اجتماعي، اذ يضرب المواطن في حاجياته الحيوية، ويضر بالامن الوطني وما ينتج عنه من تهديد عميق للانتقال السياسي الهش بطبيعته، واليوم صندوق النقد الدولي أصبح نقمة على الشعب والوطن، وعلى حد قول الخبيرة الاقتصادية في مرصد الاقتصاد التونسي جهان شندول، في مقالها المعبّر في صحيفة "الغارديان البريطانية" في شهر جانفي الفارط، صار "يخنق تونس"، والمعضلة الكبرى أنّ البنك المركزي صار ذراعه القوية التي يبطش بها.
(*) قانوني وناشط حقوقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.