ببلوغ نسبة التضخم في تونس 10.1 % لتتجاوز بذلك سقف "الطمأنينة التضخمية" ( دون 10 %)، وبعد أن رفع البنك المركزي في نسبة الفائدة المديرية إلى 8 % وتلويحه بمزيد الترفيع فيها كلما ارتفعت نسبة التضخم، وفي ظل ما تضمنه قانون المالية الجديد من تضييقات جديدة، ومع تواصل التقلبات والازمات العالمية ، يمكن القول أن الوضع المعيشي في تونس اتخذ مسارا خطيرا سيصعب الخروج منه ما لم تُعجّل الدولة بالشروع في الإنقاذ في أقرب وقت، رغم صعوبة المُهمة. أغلب المؤشرات الاقتصادية والمالية في تونس أصبحت اليوم "مُخيفة" بالنظر إلى انعكاساتها المنتظرة مستقبلا على حياة الناس. فتواصل ارتفاع نسبة التضخم دون انقطاع، وتواصل ارتفاع الأعباء المعيشية دون استثناء، وتوجه الدولة نحو التقشف عبر رفع الدعم والترفيع في أسعار المحروقات والتقليص من الاستثمار، ومرورا بتكثيف الأعباء الجبائية، كلها عوامل لا يمكن أن تؤدي سوى إلى مزيد التضييق على الوضع المعيشي وإلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي والانهيار الاقتصادي. وقد اتضح شيئا فشيئا أن تونس تدفع اليوم غاليا ضريبة ما وصفه محافظ البنك المركزي مؤخرا بحالة التراخي والتباطؤ و"التقاعس" عن العمل طوال السنوات الأخيرة وإلى حدّ الآن. فالبلاد تدفع اليوم فاتورة عدم جدّية الدولة في التعجيل بالحلول والبدائل الاقتصادية والمالية القادرة على امتصاص الصدمات كلما حصلت أزمة داخلية أو خارجية، وهو ما سارعت أغلب الدول في العالم إلى ارسائه منذ أعوام وخاصة في العامين الأخيرين تبعا للأزمة الصحية وأزمة الحرب. منذ سنوات، وخاصة في السنوات الأخيرة، اجتهدت أغلب الدول لارساء الانتقال نحو الطاقات المتجددة من أجل تحقيق الأمن الطاقي، وطورت القطاع الفلاحي ونوعت مواردها المائية لتحقيق سيادتها الغذائية وأمنها المائي وثمنت ثرواتها الطبيعية بشكل أفضل لتحقيق السيادة الاقتصادية. أما في تونس، فقد تعاطت الدولة خلال الأعوام الأخيرة وإلى حدّ الآن بحالة من "اللامبالاة" الغريبة مع مختلف هذه المجالات، وفضلت مواصلة العمل بمنوال تنموي واقتصادي قديم ومهترئ لم يعد قادرا على تقديم الإضافة. في تونس، لم يقع الى اليوم تثمين ثروة الشمس والرياح لتوليد الكهرباء رغم العجز الكبير في الميزان الطاقي بسبب نزيف واردات الغاز الطبيعي (الضروري لإنتاج الكهرباء).. وفي تونس يتواصل إهمال القطاع الفلاحي رغم العجز المرتفع في الميزان الغذائي نتيجة نزيف استيراد الحبوب والأعلاف.. والأخطر من كل ذلك، ما يعيشه قطاع الفسفاط من حالة "إهمال"، رغم انه قادر وحده على سد عجز الميزانية خاصة بعد ارتفاع أسعاره في السوق العالمية. كما يتواصل الى اليوم عدم تثمين المؤهلات السياحية القادرة على توفير مداخيل هامة من العملة الصعبة. لم تنجح الدولة طوال الأعوام الماضية في تثمين واستغلال مؤهلاتها وامكاناتها القادرة على الإنقاذ الاقتصادي والمالي، مُتحملة بذلك ضعفا فادحا في الأداء الاقتصادي لمختلف الحكومات المتعاقبة.. وفي المقابل تم فسح المجال أمام مختلف مظاهر الفساد والعبث بالمال العام وأمام الفوضى الاقتصادية وفوضى السوق وخاصة امام "تغول" الاقتصاد الموازي والمضاربة والاحتكار والترفيع في الأسعار وفي الجباية.. وكان من الطبيعي أن تدخل البلاد في حلقة مفرغة قد يصعب الخروج منها : ضعف متواصل في الإنتاج وارتفاع متواصل للأسعار يتبعه ارتفاع في نسبة في التضخم ويتبعه باستمرار ترفيع في نسبة الفائدة فضلا عن انهيار متواصل للمالية العمومية وسط غياب للحلول والبدائل الاقتصادية والمالية القادرة على الارتقاء بمعيشة التونسي نحو الأفضل .. فاضل الطياشي