حين تستمع إلى المسؤولين الأمريكيين وهم يلقون الدروس والمواعظ حول الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان يذهب في ظنّك أنك ازاء واحة تعلى فيها هذه القيم الكونية وتنتصر فيها انسانية الانسان بصرف النظر عن جنسيته وعن لونه وعن قناعاته ومعتقداته. لكن حين تنظر إلى السياسات الأمريكية وترى الوجه الآخر والحقيقي لأمريكا الجشعة، المتعطشة للتحكم في رقاب خلق الله.. أمريكا التي تدمر الدول وتقتل الشعوب وتجوعها تقول أي انفصام للشخصية تعاني منه الادارات الأمريكية المتعاقبة.. انفصام بين أقوال ترتقي بالأمريكان إلى مصاف الملائكة وأفعال تنزل بهم إلى رتبة «الشياطين». فأمريكا باسم تحرير العراق وباسم كذبة تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية وباسم تحرير الشعب العراقي قصفت ودمرت وجوعت.. ثم غزت بلدا آمنا وأسقطت دولته ودمرت مؤسساته وحلت جيشه وأغرقته في فوضى عارمة وفي حروب طائفية أسالت أنهرا من دماء العراقيين.. وبالمحصلة تقول الأرقام أن ما لا يقل عن مليون مواطن عراقي قتلوا بسبب الحصار وبسبب القصف والغزو الأمريكي وبسبب الحروب الطائفية التي أشعلتها في العراق.. وبالنتيجة أعيد العراق بالفعل إلى العصر الحجري كما توعد بذلك وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر نظيره العراقي الشهيد طارق عزيز في لقائهما المشهود بالعاصمة السويسرية قبيل العدوان الثلاثيني عام 1991. نفس أمريكا هذه هي الآن بصدد تكرار جريمة العصر مرة أخرى مع الشعب السوري هذه المرة. لم يكفها أن أطلقت آفة «دمر نفسك بنفسك» على الشعب السوري من خلال الايعاز بتشكيل عصابات الارهاب والاجرام ومن خلال تسليحها والاشراف على تدريبها بواسطة وكلاء اقليميين قبل الزج بهم داخل الجغرافيا السورية ليعملوا فيها تدميرا وتخريبا وتقتيلا.. لم يكفها كل ذلك حتى أخضعت الدولة السورية والشعب السوري لسيف عقوبات ما سمي قانون قيصر الذي يخنق الشعب السوري ويحرمه من أبسط ضروريات الحياة اليومية في تكرار سَمج وهمجي لحصار العراق الذي عصف بدوره بمئات آلاف العراقيين جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ. ولتكتمل دائرة التعطش الأمريكي للدم العربي السوري ارضاء لحلفائها الصهاينة وارواء لضمئهم وتعطشهم لرؤية الشعب السوري وهو يباد عن آخره، فإن الادارة الأمريكية لم تكتف بفرض العقوبات والحصار، ولم تكتف باحتلال آبار النفط وحقول الغاز السورية لتحرم الشعب السوري من موارد هامة وتستغلها لتمويل احتلال «مريح» لقرابة ثلث الأراضي السورية.. لم تكتف بكل هذا بل هي بصدد وضع مخطط جهنمي لتعطيل التطبيع العربي مع سوريا.. حيث يجمع المراقبون على أن إدارة بادين لم تغفر للقادة العرب «خطيئة» اعادة العلاقات مع سوريا وإعادتها لشغل مكانها الطبيعي صلب الجامعة العربية. وتقول التقارير بأن المخابرات الأمريكية التي تحتفظ بعلاقات وطيدة مع ارهابيي «داعش» قد زودتهم بصواريخ تحمل رؤوسا كيميائية لاستعمالها واتهام الجيش السوري باستهداف المدنيين بالأسلحة الكيميائية.. في مسعى مكشوف ومفضوح لوقف ديناميكية التطبيع العربي مع سوريا والتي أطلقت في قمة جدة لكنها مازالت لم تحقق الاختراق المطلوب الذي يخفف عن سوريا وطأة الحصار الاقتصادي ويقنع الشعب السوري بجدوى وبدفء العودة إلى الحضن العربي. ان العرب الذين سعوا إلى إعادة العلاقات مع دمشق وحرصوا على عودتها إلى الجامعة العربية مطالبون بالتنبه واليقظة لحماية خطوتهم هذه ولتدعيم ديناميكية عودة الروح للتضامن العربي وللعمل العربي المشترك التي عرفت ولادة جديدة في قمّة جدة.. وهي مسؤولية تبدأ بتأكيد عودة سوريا إلى بيتها العربي وتنتهي بقطع الطريق على كل محاولات عزلها للاستفراد بها وتحطيمها خدمة للكيان الصهيوني الذي لا يدخر بدوره جهدا في استهداف الأراضي السورية والشعب السوري.. فالعالم يتغيّر والأقطاب الدولية تبرز والهيمنة الأمريكية ليست قدرا محتوما على العرب التسليم به والخضوع له. عبد الحميد الرياحي