تطرق تقرير أصدره الأسبوع الفارط المرصد التونسي للاقتصاد، الى موضوع التداين العمومي حيث سلط الضوء على مسار الاقتراض في تونس لا سيما طيلة العشرية الفارطة وذكر عدة أرقام ومؤشرات تعلقت بصعود حجم المديونية في البلاد خلال تلك الفترة معتبرا ان القروض التي تم الحصول عليها آنذاك لم تعد بالنفع على الشعب التونسي كونها لم تنفق في أبواب استثمار معلومة مما يجعلها تصنف ضمن الديون الكريهة. وفي هذا السياق، تم التذكير بأن صندوق النقد قدم ثلاثة برامج تمويل لتونس (2013، 2016، 2020...) والرابع كانت هنالك مفاوضات حوله حيث تم التوصل لاتفاق تقني على مستوى الخبراء إلا أنه تم تعليقه بسبب اعتراض الجانب التونسي على الإصلاحات التي اشترطها صندوق النقد الدولي وأبرزها التخلي التدريجي عن منظومة الدعم على المحروقات والمواد الغذائية الأساسية، وخوصصة بعض الشركات العمومية للتخلص من عبئ الرواتب والمديونية على الاقتصاد التونسي. اثرت، وفق التقرير، الإملاءات التي فرضها صندوق النقد الدولي على تونس في مفاوضات القرض التي تحصلت عليه سنة 2016 مما تسبب في تراجع قيمة الدينار مقابل العملات الأجنبية وتحديدا الدولار الأمريكي، في الفترة ما بين بين 2016 و2018، حيث انخفضت قيمته، مما ساهم تباعا في ارتفاع خدمة الدين من أقل من 6 بالمائة سنة 2016 إلى 13 بالمائة بعدما تم تعويمه. هذه المؤشرات تعزز فرضية الاستدانة غير المنتجة أو غير المجدية - حتى لا يقال كريهة - بما أنها لم تعد بالنفع على عموم المواطنين ولم تساهم في إنتاج الثروة، وهي فرضية ناجمة عن عدم إدارة الدين العمومي بالطريقة الأفضل التي فيها مصلحة لعموم المواطنين والشعب. في جانب اخر، جرت "الإصلاحات" التي تم القيام بها للحصول على القروض خلال العشرية التي تلت الفترة بين 2010-2011 بشكل لم يسهم في تخفيف عبء الدين، بل زادته، ولذلك عبر رئيس الدولة قيس سعيد عن رفضه لتسبب إصلاحات صندوق النقد المتعلقة برفع الدعم وتخفيض كتلة الأجور في زعزعة الاستقرار الاجتماعي. ولم يقبل رئيس الجمهورية شروط الصندوق ووصفها بأنها "إملاءات خارجية" لن تؤدّي سوى إلى زيادة نسبة الفقر. وسبق لرئيس الدولة أن أبلغ المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا، أن شروط الصندوق لتقديم الدعم المالي للبلاد تهدد بإثارة اضطرابات أهلية في إشارة لانتفاضة الخبز 1984 عندما قررت حكومة مزالي رفع الدعم عن الحبوب. خلال مؤتمر حول إدارة الديون العمومية تم تنظيمه في 10 جويلية 2024 بتونس العاصمة من قبل المرصد التونسي للاقتصاد (مخبر للتفكير في السياسات الاقتصادية)، تم خلال النقاشات التنبيه لعدة نقاط مهمة في المفاوضات مع الدائنين الدوليين يجب التفطن إليها لحماية سيادة ومصالح البلدان المستدينة من بينها غياب الشفافية في العقود المبرمة والحق في التقاضي في حالة وجود خلافات حول شروط عقود التداين أو التخلف عن سدادها (والذي لا يتم بقوانين محلية، بل بقوانين خارجية يستغلها الدائنون لمزيد استغلال الدول المستدينة) واستعادة البلد المقرض لأغلبية السيولة المالية التي توفرها الديون عبر مشاريع إعادة الإعمار أو البنية التحتية حيث يشترط عقد التداين إنجازها من قبل مقاولين من البلد المقرض، مثلما حصل مع القرض الكريه الذي حصلت عليه كينيا من دولة أوروبية. هذا بالإضافة للعديد من النقاط الأخرى التي من المفترض أن تتنبه إليها البلدان المستدينة خلال المفاوضات مع المقرضين الدوليين. بالمقابل يرى خبراء المرصد أن للدولة دور في حوكمة القروض على جميع مراحل تحصيلها وصرفها وإدارتها على قاعدة الرؤية السيادية لقضية الديون. الأخبار