عندما تستمع إلى تحاليله العميقة وتفهم رؤاه الثاقبة القائمة على عدم التمفصل بين التحرر الوطني والإنعتاق الإنساني ستدرك حتما أن الفكر المستنير هو العدو الأزلي للحركة الصهيونية. رئيس فنزويلا «نيكولاس مادورو» هو بالفعل واحد من أكبر عناوين التحدي في العالم فيه الكثير من فكار «تشي غيفارا» الذي كان يؤمن بأن الثورة هي الصناعة و«نيلسون مانديلا» الذي كان يخاطب شعبه «سيادتنا لن تكتمل مالم تتحرر فلسطين» فالرجل المندمج في كل مفاصل حياة شعبه يمضي قدما في تجسيد نظرية «الإزدهار المشترك» في الداخل وتشبيك القدرات في الإقليم فقد شرع مع الجارة كولومبيا في تنفيذ مخطط للنهوض بالمناطق الحدودية تتفاعل فيه الأبعاد التنموية والأمنية وكل ذلك ينبع من عقيدة مناهضة للظلم وكل أشكال الإستعلاء والإستعباد وهو ما يجعله في تقاطع مباشر مع العقيدة الأمبريالية الصهيونية التي تقسم البشر إلى أسياد وعبيد. وعندما يلتقي هذا الخط الثوري مع المرجعية الثورية التاريخية لوطن «فيدال كاسترو» كوبا وتحول البرازيل إلى قوة اقتصادية عالمية سيشكل حزام تحرر سيؤدي حتما إلى رفع الظلم التاريخي الذي ظلت ترزح تحته شعوب أمريكا الجنوبية قرونا طويلة من الإستغلال المتوحش الذي مارسته الإمبراطوريتان البرتغالية والإسبانية في العصر الوسيط وأدى إلى إبادة الملايين في مناجم الفضة إلى الإرهاب الأمريكي الذي حول نصف القارة إلى مرتع لمافيات المخدرات والجريمة المنظمة ومستنقع للفقر والتهميش حتى يشعر المواطن الأمريكي أنه يعيش في «جنة» حتى وإن حرم من الحق في العلاج والمأوى وتدريس الأبناء في الجامعة. ومن هذه الزاوية يمكن استيعاب دوافع الخنق الأمريكي على دولة فنزويلا وزعيمها نيكولاس مادورو والذي تحول إلى حالة هستيريا يجسدها مشهد تلك الحفنة من المهرجين الذين أحاطوا برئيسهم الثرثار «دونالد ترامب» أثناء فبركة حكاية تدمير مركب لتهريب المخدرات في البحر الكارايبي موجها أصابع الإتهام إلى الحكومة الفنزويلية وذلك بعد أيام من إعلان وزارة الخزانة عن رصد جائزة قدرها 50 مليون دولار لكل من يتعاون مع الحكومة الأمريكية لإعتقال «نيكولاس مادورو». ورغم أن الحكومة الفنزويلية تأخذ التهديدات لأمريكية على محمل الجد وقامت بنشر 15 ألف جندي على الحدود والرفع من جاهزية أسطولها البحري فإن الهستيريا الأمريكية تجاه فنزويلا تعبر في الواقع عن الخطر الذي باتت تمثله الولاياتالمتحدة على السلم والأمن الدوليين بعد أن تعاظمت فيها المخاوف من فقدان الهيمنة واقتربت لحظة التصادم بين المواطن الأمريكي وكوردون الفساد الذي بخنق أنفاسه ويدور في فلك المنظمة الصهيونية الأمريكية «آيباك» التي منحت الحصانة القضائية لدونالد ترامب في 96 قضية فساد وتحرش ووضعته بين «ناكر ونكير» وزير الخارجية «مارك روبيو» وساعي البريد «ستيف ويتكوف» حتى تستخدمه مثل الحطب في حربها من أجل البقاء لدرجة أن الرئيس الأمريكي صار يقول شيئا في الصباح ليدحضه بعد الظهر تتويجا لمسار طويل من الصهينة فالدولة الوطنية الأمريكية دفنت مع جثمان الرئيس الأسبق جون كينيدي. وفي الواقع يأتي التصعيد الأمريكي ضد فنزويلا الذي وصل إلى حد نشر غواصة نووية في البحر الكاراييبي في نطاق أجندا «الدخول بقوة» التي تتطلع من خلالها الإدارة الأمريكي الواقعة في شراك اللوبي الصهيوني لكسر مسار تشكل النظام العالمي الجديد الذي دخل المنعطف الأخير بالترتيبات التي ناقشها مؤتمر منظمة «شنغهاي» الذي اختتم بعرض عسكري ضخم في ساحة «تيان أنمان» وخطاب غير معهود للرئيس الصيني الذي أكد بكل وضوح أن بيكين جاهزة لردع أجندات الإرهاب الأمريكية في سائر أنحاء المعمورة مختزلا بذلك عمق التحولات التي شهدها العالم على مدى العقود الثالثة الأخيرة ويعجز عن فهمها العقل الأمريكي الفاسد الذي يبدو عالقا في حكاية أسلحة الدمار الشامل التي استخدمت ذريعة لغزو العراق عام 1991 . وفي المقابل يبدو الرئيس الأمريكي الثرثار خارجا عن التاريخ والكغرافيا وهو يفتعل «حرب المخدرات» لتركيع فنزويلا فيما البشرية قاطبة تدرك أن ال «سي آي آي» أكبر تاجر مخدرات في العامل وأن تنصيب الإرهاب حاكما على أفغانستان ثم سوريا يهدف بالأساس إلى بناء منصة مخدرات لتدمير الشعوب وإفساد الدول على شاكلة هولاندا وبلجيكا في أوروبا اللتين تحتكران 80 بالمائة من الإنتاج العالمي للأقراص المخدرة. والواضح أيضا أن أجندا الفوضى في فنزويلا تأتي مباشرة بعد الفشل الذريع لأجندا قلب النظام في إيران التي لقنت التحالف الصهيو أمريكي درسا قاسيا وسقوط أجندا الربيع العبري الثانية في شمال إفريقيا والهزيمة النكراء أمام المارد الصيني في الحرب التجارية بما يعني أن المطبخ الصهيوني في الولاياتالمتحدة يبحث عن انتصار بأش شكل يحافظ على صورة «شرطي العالم الأوحد» غير مستوعب من فرط التشنج الذي يعمي البصائر أن العالم تغير ومن المستحيل أن يعود إلى الوراء فالواضح أن الولاياتالمتحدة ليس بمقدورها أن تساير النسق العسكري والمالي الرهيب الذي يفرضه صناع العالم الجديد ولاسيما المربع الذهبي «الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية» فيما بدأت تتآكل وحدة ما يسمى الغرب الجماعي فالواضح أن شبح الإفلاس والجوع الذي يخيم على أوروبا سيخلق انقساما حادا بين من سيهرب من الطوفان بالبحث عن نقطة التقاء مع قطار العالم الجديد وبين من سيمضي إلى النهاية في خيار الهروب إلى الأمام. والأكيد أن زعيم فنزويلا ذي الشعبية الكبيرة في بلاده وذي الفكر المتحرر من القيود يدرك كل هذه المتغيرات ويرفع سقف التحدي عاليا أمام الإدارة الأمريكية التي تبدو مثل الأعمى الذي يسير دون عصا في الظلام الدامس غير قادرة على تحسس خطواتها لدرجة أنها وطدت التحالف بين البرازيل والهند والصين بالحرب التجارية العبثية التي يقودها دونالد ترامب لتحصيل 600 مليار دولار من أجل تمويل آلة الإرهاب الصهيوأمريكية في خضم الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها الولاياتالمتحدة وفرضت تسريح 300 ألف موظف حكومي وغلق عدة مؤسسات فدرالية إلى جانب بيع نصف أكرانيا للدب الروسي مقابل حقوق استغلال المعادن النادرة وبالمحصلة يشكل التصعيد الأمريكي ضد دولة فنزويلا التي تقف شامخة في وجه الظالم رغم مخلفات الحصار الإقتصادي الجائر عنوانا لذروة القطيعة بين عالم قديم متعفن ومزيف وعالم جديد يخرج من رحم صمود الشعوب الحرة في فلسطينوفنزويلاوكوبا وجنوب إفريقيا وتونس واليمن والساحل الإفريقي وإسبانيا وإيرلندا فالتحرر عدوى تتفشى بسرعة بين الشعوب وقريبا ستحرق كومة القش. الأخبار