اخترنا الولوج الى مسيرة الأمين السعيدي الروائية من بابي البيئة والمرجعية الفكرية؛ اي النشأة وتأثير المكان والمجتمع من ناحية، ثم التحصيل المعرفي والميولات الفكرية من ناحية اخرى. فمغامرة الرجل في الرواية إختلفت عن الاثار الادبية العربية القديمة والحديثة والمعاصرة حتى اضحى صوت التجديد الفعلي في الكلمة والجملة وبناء النص الروائي اذ يستخدم الأمين السعيدي التكثيف في الرواية وهي التي عرفت بالتفصيل والتدقيق من اجل تحويل الحدث الى مشهد مؤثر منتج لمشاعر سعادة او حزن. يلعب التكثيف عند السعيدي ادوارا عديدة، منها الاختصار والتبليغ من خلال الترادف والمشترك اللفظي حتى يثير في القارئ اسئلة عديدة فيدفعه الى التأويل ومع ذلك تتوفر المشهدية والتدقيق في نقل الحدث من خلال اسلوب فلسفي عميق. يعد المكان الذي نشأ به السعيدي والمجتمع الذي يحيط به مرجعا في تشكل الوعي. فالكاتب عاش منذ طفولته بين بيئتين مختلفتين، الاولى القرية او مدينة صغيرة وهي جلمة اين عايش البسطاء من الفلاحين والتجار وغيرهم من الأصناف الاجتماعية التي تتعايش في ما بينها، يغلب على تلك البيئة المحافظة والتشابه حد التطابق بين العائلات. ثم ينتقل الأمين السعيدي الى العاصمة تونس وهو طفل لم يتجاوز سنة14 سنة اين استقر بالمدينة العتيقة بما فيها من تنوع للثقافات وتحضر وتحرر وهذا يعيد بناء الشخصية ويأثر في اعادة تشكيل الوعي مما جعل روايته تجمع بين الريف والمدينة، الطبيعة والمعمار، البعد الرومانطيقي والبعد الحضاري كما ساهم شغفه بالعلوم الانسانية والفلسفة والفكر الحضاري في نصه الروائي، فالأمين السعيدي جمع بين الفن اللغوي والأسلوبي والبعد الفكري مما جعل نصوصه مختلفة مثيرة للجدل، محرضة على التفكير، باعثة على للتأمل. تختلف رواياته: - مدينة النساء - ظل الشوك - أحبها بلا ذاكرة - ضجيج العميان - المنفى الأخير - مواسم الريح في المواضيع والرسائل ومنهج الكتابة ولكنها تتشابه في الاسلوب والرؤية والنظرة الجمالية للكون... أسس الروائي الأمين السعيدي منهجه الخاص في الرواية انطلاقا من ايمانه بقيمة الاضافة الى الادب العربي والعالمي بعيدا عن التكرار والتشابه...