نظرت الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بمدينة المنستير في قضية غريبة الأطوار. ويكمن وجه غرابتها في تفتّق ذهن المتهم فيها عن حيلة يسدّد بها ديونه المتراكمة والمقدّرة بسبعة وأربعين ألف دينار من رصيد دائنه نفسه بتدليس مجموعة من صكوكه دون علمه. وتفيد أوراق ملف هذه القضية أن أعوان الأمن باحدى مدن الساحل تلقوا مكالمة هاتفية من مدير فرع بنكي يعلمهم فيها بتفطّن أحد الحرفاء إلى تبخّر مبلغ مالي هامّ من رصيده. فانطلقت الأبحاث على الفور وبعد التقليب في كلّ الوثائق المضمّنة في حساب زاعم الضرر تم التفطن إلى مجموعة من الصكوك المدلّسة وقع سحبها لفائدة المتضرر من رصيده دون علمه. فتوجّهت الشكوك نحو أحد الموظفين بالبنك وبالتحري معه انهار معترفا بكامل التفاصيل. ضائقة مالية... فديون متراكمة بعيون دامعة كشف المتهم في هذ القضية وهو شاب في العقد الثالث متزوج وله أبناء ويعمل موظفا ببنك. تعرّضه لضائقة مالية حادة ناجمة عن تراكم ديونه اثر زفافه واقتنائه لمنزل وكثرة مصاريفه وهو الذي ينفق بسخاء. فلم يجد لهذا المأزق من مخرج سوى اقتراض مبلغ مالي من المتضرر قدّر بعشرين ألف دينار في مرحلة أولى أردفه بمبالغ مالية أخرى مقابل صكوك ضمان يتعهد بموجبها بتسديد دينه على أقساط مع فائض وقع الاتفاق عليه مسبقا. عجز فتدليس لم تسر الأمور كما كان المتهم يتمنى ووقع ما لم يكن في الحسبان إذ وجد نفسه عاجزا من جديد عن تسديد أقساط الدين وفوائضه التي كان يتعهد بدفعها لدائنه المتضرر الذي كثّف من مطالبته بحقوقه. وللتخلّص من هذه الورطة قرّر المتهم خلاص دائنه من حسابه عملا بالمثل الشعبي القائل: «منّو فيه»... فكان يعمد إلى تدليس مجموعة من الصكوك تحمل مبالغ مالية متفاوتة يقدّمها إلى المتضرر في نهاية كلّ شهر عند حلوله إلى البنك لتسلّمها. ولم يكن المتضرر يعلم أنه يسحب من رصيده الشخصي تلك المبالغ التي يقدّمها له المتهم على أنها تسديد لأقساط الدين. والغريب في الأمر أن تحيّل المتهم على دائنه قد تواصل منذ سنة 1999 إلى منتصف سنة 2001 دون أن يتفطّن وقد وصل المبلغ المالي المضمّن في الصكوك المدلّسة إلى سبعة وأربعين ألف دينار هي أصل الدين مع فوائضه المتراكمة. ولعلّ ذلك يرجع إلى ثراء المتضرر وكثرة معاملاته البنكية وثقته في المتهم. وأمام تضخّم المبلغ المسحوب من أموال زاعم الضرر ساورته الشكوك واطلع عليها مدير الفرع البنكي الذي فتح تحقيقا كشف كلّ عمليات التحيّل والتدليس. انهار المتهم أمام القاضي معترفا باقترافه عمليات التدليس والاستيلاء على أموال غيره مبررا ذلك بضائقته المالية طالبا التخفيف بعد أن عجز عن اثبات تهمة الربا على المتضرر الذي نفاها جملة وتفصيلا. وقد أرجأت القضية لوقت لاحق استجابة لمطلب لسان الدفاع.