يواجه الرئيس الأمريكي جورج بوش تحديات في السياسة الخارجية أكثر اتساعا وتعقيدا في فترة ولايته الثانية مما واجه قبل أربع سنوات، وقد لا يكون لديه سوى قدر محدود من القوة لتحقيق بعض الأهداف العالمية للولايات المتحدة. وقد أظهر الهجوم الذي شنه رجال المقاومة العراقية على معسكر لقوات الاحتلال الأمريكي في الموصل يوم الثلاثاء الماضي الذي وصف في واشنطن بأنه الأكبر من حيث الخسائر البشرية ودقة التكتيك، أظهر أن الحرب الأمريكية على العراق توجد سلسلة من المشاكل للرئيس بوش وهو يستعد لبدء ولاية ثانية طموحة في العشرين من جانفي المقبل، فهو يواجه جمهورا يشعر بالقلق بصورة متزايدة من اتجاه الأحداث في العراق ويتساءل عن المخرج. وإذا كان بوش وأركان إدارته من المحافظين الجدد والمتطرفين قد استخدموا هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 لتبرير سياستهم التي تستهدف الوطن العربي والعالم الإسلامي بما في ذلك الحرب على أفغانستان والعراق فإنهم يعتزمون في الولاية الرئاسية الثانية الإبقاء على الحرب على ما يسمونه «الحرب على الإرهاب» في قلب السياسة الخارجية الأمريكية. مشاكل بالجملة غير أن هناك قضايا متزايدة يمكن أن تقوض خططهم وكثير من هذه القضايا اقتصادية وهي النمو الواسع والمفاجئ للصين والهند، والمخاوف في الأسواق المالية العالمية بشأن الوضع المالي للولايات المتحدة وهبوط سعر الدولار، وبرامج أسلحة نووية في إيران وكوريا الشمالية وأزمة وباء الإيدز والحروب في أفريقيا والموجة المتزايدة في العداء للولايات المتحدة عبر العالم. فبوش يسعى إلى تركيز الكثير من طاقته على أجندة محلية بعيدة المدى، وهو بذلك يجازف في إيجاد رئاسته وقد استهلكت كثيرا بسبب العراق للعام المقبل على الأقل وأنه قد تكون لديه مشكلة في الاستمرار بالضغط من أجل مبادرات كبيرة مثل إصلاح الضمان الإجتماعي. وفي الوقت نفسه تواجه استراتيجيته لجلب الاستقرار إلى العراق تحديات أمنية، حيث تظهر قوات الأمن العراقية التي تريد قوات الاحتلال الأمريكي أن تعتمد عليها في هذا المجال ضعفا واضحا في الأداء لا يؤهلها لضمان أمن الانتخابات العراقية المزمع إجراؤها في العراق في الثلاثين من شهر جانفي المقبل، كما أن قوات الاحتلال قد لا تتمكن هي الأخرى في أداء هذه المهمة عندما لا تستطيع أن تحافظ على سلامتها في قواعدها ومعسكراتها في العراق. ويقول مدير التخطيط السياسي السابق في وزارة الخارجية الأمريكية الرئيس الحالي لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ريتشارد هاس «لا أستطيع أن أتذكر وقتا في العقود القليلة الماضية كان لدينا فيه مشاكل كثيرة بهذا القدر.» مضيفا القول «إن ما يجعل الأمر صعبا بصورة خاصة هو أنه هذه المشاكل تصيبنا في وقت نحن فيه منتشرون بكل معنى الكلمة.» وهذا الوضع جعل البيت الأبيض يرسل رسالتين متناقضتين نوعا ما، فإحداهما أشار إليها بوش بصورة غير مباشرة يوم العشرين من شهر ديسمبر الجاري وذكرها بصورة واضحة مسؤولون أميركيون آخرون في اليوم التالي وهي أنه لا ينبغي لأحد أن يتوقع أن يقل العنف بعد الجولة الأولى من الانتخابات العراقية في الثلاثين من جانفي المقبل أو أن تبدأ الولاياتالمتحدة بسحب قوات احتلالها في العام المقبل بأعداد كبيرة. وقال وزير الخارجية الأمريكي المستقيل كولن باول «ينبغي أن لا يكون هناك وهم أنه بعد الانتخابات مباشرة سيكون العراقيون قادرين أن يتولوا أمنهم الخاص بهم، ومن المؤكد أننا سنكون هناك خلال عام 2005 بأعداد كبيرة.» وأما الرسالة الثانية فهي أنه يتم إحراز تقدم في العراق وأن المقاومة ستقمع في النهاية وأنه لا يوجد سبب لتغيير الاتجاه. وقال بوش «إن فكرة ترسخ الديمقراطية فيما كان مكانا للطغيان والكراهية والدمار هي لحظة مأمولة في تاريخ العالم.. إنني واثق أن الديمقراطية ستسود في العراق.» ويبدو أن الحرب على العراق ستهيمن على اهتمام بوش وترهق الميزانية الفدرالية لسنوات مقبلة. وهناك نحو 150 ألف جندي أميركي يشنون حربا على العراقيين وعلى مقاومتهم الوطنية المسلحة من المرجح أن تستمر إلى ما بعد انتخابات 30 جانفي. ومهما يكن الشكل الذي ستتخذه الانتخابات العراقية والنتيجة التي ستسفر عنها بنقل العراق باتجاه الاستقرار أو مزيد من الفوضى، فإن من شأنه أن يطبع ولاية بوش الثانية، فالانتخابات وما قد يحيط بها قد تتصادم مع أو تغطي على دعواته من أجل اتخاذ إجراء حول الضمان الاجتماعي وإعادة صياغة قانون الضرائب وتنقيح قوانين الهجرة وتشديد المستويات التعليمية. ويقول العضو الجمهوري السابق في مجلس الشيوخ الأمريكي، وارن رودمان إن «المجازفة الكبرى للرئيس (بوش) هي أنه إذا استمر الوضع في العراق في التصعيد، فإنه قد يستحوذ على الكثير مما يريد الرئيس عمله. وإذا أصبح هناك تصعيد في شن هجمات معقد من الثوار رجال حرب العصابات فإن ذلك سيجعل أعضاء في الكونغرس قلقين تماما ويجعل الشعب الأمريكي غير مرتاح تماما.» خيارات جديدة ولكن خبراء ومحللين يعتقدون أن سياسة بوش الخارجية في ولايته الثانية تبدو في الغالب مختلفة تماما عنها في الولاية الأولى. وإن بوش الذي شن حربين في فترته الأولى قد يكون مرتدعا عن القيام بمغامرات جديدة. فالجيش الأمريكي منتشر على مساحات واسعة في العراق وأفغانستان تجعل انتشاره غير كثيف. والعجز في الميزانية الأمريكية والتجارة قد تعمق وكثير من المؤيدين لبوش يريدونه أن يركز اهتمامه على أجندة محلية محافظة. وإلى جانب ما يعتبره خبراء أميركيون «فرصا دبلوماسية» في المنطقة في أعقاب وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، فإن هناك العلاقات بين الهند وباكستان، والعلاقات المتحسنة مع أوروبا، فهناك بعض التحديات الرئيسية التي يواجهها بوش ووزيرة خارجيته المعينة كوندوليسا رايس. ومن بين هذه التحديات العلاقة مع روسيا التي راهن بوش في تطويرها بشكل كبير على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث سبق له القول أنه نظر في عيني بوتين «وفهم روحه». غير أن بوتين ضيق على المعارضين السياسيين ورجال الأعمال الموالين للغرب بشكل أساسي وعلى وسائل الإعلام الموالية لهم. وحاول الحد من التدخل الأمريكي-الغربي في انتخابات أوكرانيا بدعم رئيس الوزراء المرشح لانتخابات الرئاسة الأوكرانية فيكتور يانوكوفيتش ضد مرشح الغرب فيكتور يوتشنكو. وقامت مؤسسة «فريدم هاوس» (بيت الحرية) التي تمولها الحكومة الأمريكية بمنح روسيا وصف دولة «غير حرة» ويذكر أن فريدم هاوس تقوم بتمويل حملة يوتشنكو. وقد اتهم بوتين الغرب بإثارة المشاكل في «ساحة موسكو الخلفية» ويؤكد الخبراء على أن قدرة بوش على تغيير المسلك الروسي محدودة لأن الولاياتالمتحدة تحتاج مساعدة روسيا في حربها على ما تسميه «الإرهاب» وفي الوصول إلى احتياطياتها الضخمة من النفط والغاز. أما بالنسبة للصين فإن النمو الاقتصادي المذهل للصين يتردد صداه في العالم بطرق كبيرة وصغيرة والمنافسون الصينيون أضعفوا الصناعات الأمريكية وتكاليف الوظائف، بينما حاجة الصين المتزايدة للنفط والأغذية أصبحت ملموسة بدءا من المنطقة العربية وجوارها وحتى أمريكا اللاتينية.