في هذه الفترة من كل عام تزدهر تجارة الأنبياء الجدد... أولئك الذين ينزل عليهم الوحي بالفاكس... ويحاورون الملائكة عبر الأنترنات... بعد كل هذا التطور العلمي الجبار مازال لسحرة القبيلة البدائية مكان... والفرق هو أن سحرة القبيلة البدائية كانوا يقرؤون السماء ويستنطقون النجوم والرياح والبرق والرعد بينما الأنبياء الجدد يقرؤون جيدا الصحف والتحاليل والأخبار... أما وجه الشبه بينهما فهو أنهما يعرفان نقطة ضعف الانسان الساكن في الكهف أو الساكن في ناطحات السحاب: كلاهما يخاف من المستقبل... كلاهما يخشى القادم... كلاهما يحلم وكلاهما يطمح... في مثل هذه الفترة من كل عام يتهافت الناس على تكهنات الأنبياء الجدد بنهم شديد وتتحول الحكاية إلى موضوع نقاش... وفي النقاش يجد كل واحد نفسه لأن «النبي» يرضي كل الفرضيات ليرضي كل الانتظارات... كثيرة هي التوقعات... حتى أنك تجد الشيء ونقيضه... وفي آخر السنة ان تحققت واحدة من الفرضيات خرج المتنبي منتصرا لأنه يذكر الناس بأنه أصاب فيها ولايقول أن البقية... كل البقية لم تتحقق... ولأن الناس لا يتذكرون فإنهم يصابون بسكتة الاعجاز والحال أن الرجل وضع «اكس واحد اثنان» تماما كما في لعبة البروموسبور... ولو تأملتم قليلا في مدى تقبل سكان الأرض لمثل هذه التكهنات لوجدتم أن الشعوب المتعبة هي الأكثر اهتماما وتصديقا لهذه الألاعيب... لماذا؟ لأنهم لا يسافرون إلى المستقبل إلا على جناح الأحلام بينما الشعوب المتقدمة تسافر على جناح الأرقام... ومن يعتمد الأحلام فلابد أن ينام بينما من يعتمد الأرقام لا يكتفي بالكلام... يصنع مصيره بيده ويعرف أن حاضره هو الذي يصنع مستقبله... وليس ماضيه واضغاث أحلامه... وكل عام وأنتم بألف خير رغم أنف الكهنة الجدد... أولئك يضخّون في أرصدتهم أوجاع الناس وأوهامهم.