غيّب الموت أول أمس الثلاثاء الفنان محمد سعادة عن سن 68 عاما بعد رحلة زاخرة بالعطاء في مجالي التأليف الموسيقي والعزف الى جانب التدريس، آخر ظهور للفنان الراحل كان في دار الثقافة المغاربية ابن خلدون التي كرّمته في سهرة رمضانية في أواخر شهر أكتوبر عندما تم تكريمه تقديرا لما قدّمه للموسيقى والفن في تونس. ولد الفنان محمد سعادة في 22 جويلية 1937 في مدينة تونس العتيقة ونشأ في عائلة محافظة ولكنها محبّة للفن فقد كان والده من خريجي الزيتونة والخلدونية ومن عشّاق المسرح والأدب اذ كان من أنصار جمعية: الشهامة العربية كما أسّس في أواخر الثلاثينات جريدة النسناس الهزلية في الظاهر والتي كان لها في الواقع مواقف اجتماعية وسياسية. تربّى محمد سعادة بين الاسطوانات والفونوغراف والعود وإلتحق بالكنسرفتوار في سن الثالثة عشر وبعد حصوله على شهادتين في الموسيقى العربية والعزف على الناي احتضنته الرشيدية بادارة صالح المهدي فأصبح اصغر عازف فيها لم يتجاوز عمره 15 سنة. وجمع بين الدروس الرسمية في المعهد العلوي ومتابعة الدراسة العليا في الكنسرفتوار على ايدي الاساتذة الفرنسيين والايطاليين وتحصل على شهادة في التأليف الغربي وأصبح بعد الاستقلال اول ناجح في مناظرة أساتذة الموسيقى الذين عوّضوا الاساتذة الفرنسيين ولم يكتف محمد سعادة بما حصل عليه من تكوين في تونس فسافر الى باريس فدرس في كنسرفتوار باريس الوطني التحليل والتأليف وفي معهد الدراسات التطبيقية العليا درس علم موسيقى الشعوب وشارك في تربصات في ايطاليا في قيادة الاوركستر وفي الموسيقى المتوسطية. وخلال رحلته الطويلة مع الموسيقى قاد عدّة فرق منها المنار والجبل وفرقة الاذاعة والتلفزة ودوّن المالوف عن الشيخ المصري فهمي عوض ومن 65 الى 1968 كلّف بادارة مصلحة الموسيقى التي استقال منها مفضّلا التفرّغ للتأليف الموسيقي. أعماله أنتج محمد سعادة في مجال التلحين عدّة أعمال بين الاوبيرات والقصائد والموشحات وكان من مؤسسي كورال الاطفال في الاذاعة الى جانب ما لحّنه للسينما وتتسم أعماله بنفس غنائي تجديدي ومن أعماله التي توجت بجوائز ملحمة النصر مهرجان دمشق 1976 اغنية كيف جيت (أحسن انتاج في مهرجان علي الرياحي 1981) أقبلت (مسابقة الاغنية الوطنية 92) ماذا يريد (مهرجان الاغنية 93) وانشغل محمد سعادة بالبحث والكتابة فقدّم عدّة محاضرات ودراسات وبرامج اذاعية حول الموسيقى التونسية كما أسس فرقة الفن العربي التي قدّم معها عروضا في أوروبا والعالم العربي. رحل محمد سعادة بعد سنوات زاخرة بالعطاء اصدر خلالها أشرطة واسطوانات وكان آخرها ضمن اصدارات وزارة الثقافة والمحافظة على التراث ويذكر أن الفقيد حائز على جائزة الدولة التقديرية للاداب والفنون في اليوم الوطني للثقافة سنة 1999. رحم الله محمد سعادة... كان نهرا خالصا من المحبة والصدق والعطاء وكبرياء الفن الجميل. اعداد: نورالدين بالطيب ------------------------------- ملاحظة: كل المعلومات الواردة في المقال مأخوذة عن الكتيب الذي اصدرته دار الثقافة ابن خلدون بمناسبة تكريمه. ------------------------------- **تشييع جنازة الفنان محمد سعادة تونس (وات) في موكب خاشع شيعت الاسرة الثقافية صباح امس الفنان محمد سعادة الى مثواه الاخير بمقبرة الزلاج بحضور العديد من أهل الفن والفكر والاعلام يتقدمهم السيد محمد العزيز ابن عاشور وزير الثقافة والمحافظة على التراث. وقدم الوزير بتكليف من الرئيس زين العابدين بن علي تعازي سيادته الى عائلة الفقيد.