تونس (الشروق) أفسد المكتب التنفيذي للاتحاد العام لطلبة تونس على نفس بداية هذا الأسبوع فرصة لقاءالسيد لزهر بوعوني وزير التعليم العالي لتطارح قضايا الطلبة والبحث عن حلول لمجمل الملفات الجامعية المطروحة. وتسبّب خلاف وصراع حول تركيبة الوفد الذي سيلتحق بالجلسة مع الوزير في تلاطم ومشاحنة في مقر الاتحاد وأمام مقر الوزارة أدّى بالأمين العام عز الدين زعتور الى المطالبة بتأجيل اللقاء مع الوزير. ولم يكن ما حدث مساءالاثنين وصباح الثلاثاء الفارطين ليحجب الواقع الذي أضحى عليه أداء اتحاد الطلبة خلال السنوات الأخيرة والذي عطلت خلافات عديدة حسن اضطلاعه بمهامه النقابية والطلابية الى درجة أصبح معها التأكيد واضحا على أن الاتحاد لم يغادر بعد أزماته بل انه ما يزال يوجد بين الفينة والأخرى أزمة جديدة. خلفية تاريخية وفي واقع الحال فإنه لا يمكن الحديث عن المآل الذي وصلت إليه المنظمة الطلابية التي تحيي يوم غد الذكرى 53 لتأسيسها وتنتظر انعقاد مؤتمرها ال25 خلال الأشهر القليلة القادمة، لا يمكن لك الحديث دون العودة الى فهم الأطوار والمراحل التي مرّت على الاتحاد العام لطلبة تونس منذ تأسيسه بباريس سنة 1952 في مؤتمر سري عقده الطلبة الدستوريون بمشاركة بعض الوجوه الطلابية في المهجر. لا بدّ من إبراز الدور الذي أدّاه الاتحاد العام لطلبة تونس منذ تأسيسه في دعم معارك التحرير والاستقلال (1952 1956) ولاحقا في مجال بناء الدولة التونسية الحديثة كما سجّل حضوره في معركة الجلاء وفي أحداث ساقية سيدي يوسف وهو ما جعل منه بمثابة الجناح التقدمي في الحركة الوطنية. وبرغم وجود الدستوريين (أنصار ومناضلي الحزب الاشتراكي الدستوري) داخل المنظمة فقد بقي الاتحاد العام لطلبة تونس وإلى حدود أزمة فرع باريس (سنة 1963) مجالا تلتقي فيه كل التيارات بما في ذلك تيارات اليسار وخاصة الشيوعيين منهم وتعايش بحكم ذلك مختلف التوجهات وعبّر الاتحاد طويلا عن هموم ومشاغل مشتركة بين جميع الطلبة التونسيين وبدا حينها الاتحاد في شكل المستقل عن الحزب الحاكم نفسه برغم هيمنة الدستوريين. وبرغم النجاح في تحقيق «مطمح طلابي» واكتفاء الطلبة الدستوريين (والتجمعيين لاحقا) بمنظمتهم الخاصة (منظمة طلبة التجمع) فإن الواقع الجديد الذي عرفته الحركة الطلابية والجامعة التونسية والذي اتسم ببداية ظهور لمجموعات سياسية متعددة أخذت في التنازع حول قيادة المنظمة النقابية الطلابية وهو الأمر الذي دفع الى وجود حالة تنظيمية ومادية في غاية التعقيد وصعبة جدا جعلت الاتحاد يعيش في كثير من الأحيان خارج أسوار الجامعة. وبحكم المعطيات المتراكمة والتحالفات التي لم تهدأ الى اليوم عاش الاتحاد عدّة أزمات داخلية خلال العقدين الأخيرين انعكست على نشاطه وكان من آخرها ما عُرف بأزمة 25 ماي 2002 والتي تميزت بانشقاق نصف المكتب التنفيذي المنبثق عن المؤتمر ال23 ضمن المجموعة المسماة ب»مجموعة جمال التليلي» الذي أعلن تحمّله لمسؤولية الأمانة العامة ليكون بذلك على نفس الدرجة مع الأمين العام «المباشر» عز الدين زعتور ويتنازع معه حاليا «شرعية» قيادة المكتب التنفيذي. نزاع وصراع الصورة الحالية، ليست أنصع من السنوات الفارطة، والواضح أنه حتى تخلّي «التجمعيين» عن المنازعة فإن «الخلافات الحالية» داخل الاتحاد وعلى أسواره شديدة وفي غاية الاحتدام، وبرغم أن المؤتمر 24 الذي انعقد في بئر الباي منذ سنتين قد تمكن من جمع بعض الأطراف السياسية هم أساسا النقابيون الراديكاليون و»الكتلة» وبعض المستقلين، فإن التطورات الحاصلة لا تنبئ بتقدم ايجابي في اتجاه لمّ صفوف كل التيارات الطلابية وتوحيد جهودهم لتحقيق أداء طلابي نقابي يرتقي مع حجم الرهانات المطروحة على الجامعة التونسية اليوم والتي تمر بتحولات هيكلية وبرامجية هامة تتطلب مساهمة كل الأطراف بما فيها الهيكل النقابي الطلابي الذي يتطلب حضوره تأكيد رؤي الطلبة وتفسير مشاغلهم والمرور العملي الى تقديم مقترحات لأهم الملفات الجامعية المطروحة من سكن ومنح وبرامج دراسية وفضاءات تدريس. رفع اليد وكأن الوقت أضحى يتطلب تكرار ما دعا إليه وزير التعليم العالي السابق السيد الصادق شعبان الى ضرورة أن ترفع الأحزاب السياسية يدها عن المنظمة النقابية، والأكيد أن مهام الاتحاد تبقى في حاجة الى المراجعة وإعادة التأسيس من أجل فهم الواقع الطلابي والمساهمة في الارتقاء به ورفع الاتحاد العام لطلبة تونس الى مستوى النضالات التي قادها المؤسسون وحجم ما وصلت إليه جلّ اطاراته ومناضليه من اشعاع ومساهمة لا فقط في الحياة الجامعية بل كذلك في الحياة الوطنية السياسية والعامة. وعلّه يكون من غير المعقول أن تواصل المنظمة عملها على الشاكلة الراهنة وتضيع من عمرها وعمر الجامعة التونسية والطلبة سنوات طويلة في التلهّي بقضايا هامشية تتجه أكثر ما تتجه الى الفوضى والمطامح الضيقة والبروز الآني والظرفي مع خواء البرامج والتحرّكات.